غسان العزي
في استراتيجية الأمن القومي الجديدة تخلى الرئيس أوباما عن ldquo;الحرب العالمية على الإرهابrdquo; التي أطلقها سلفه بوش، لأنه، بكل بساطة، غير قادر على الاستمرار في هذه الكذبة . فالإرهاب، وهو موجود منذ غابر التاريخ، لا يبرر أبداً حروباً دولية واستراتيجيات أمن قومي، وكما يقول زبيغنيو بريجنسكي ldquo;الإرهاب هو تكتيك وليس عدواًrdquo; .
وتدل الأرقام على نسبية التهديد الإرهابي، فبحسب وزارة الدفاع الأمريكية تم إحصاء نحو 14 ألف هجوم إرهابي قتل 20،000 مدني في العالم عام ،2006 في مقابل 11 ألف هجوم في العالم سنة ،2005 هذه الأرقام مؤسفة بالطبع، لكنها تبقى منخفضة لدى مقارنتها بأسباب أخرى للموت . فالإحصاءات تشير إلى أن عدد الذين يموتون بفعل الإرهاب في العالم في عام واحد، يساوي عدد الأطفال الذين يقضون في اثنتي عشرة ساعة فقط، ولأسباب من الممكن تفاديها، وبحسب الأمم المتحدة يفتك مرض الإيدز كل 3 أيام بعدد من الناس يساوي عدد ضحايا الإرهاب في 3 سنوات .
ودوماً بحسب وزارة الخارجية الأمريكية، فإن ثلثي ضحايا الإرهاب العشرين ألفاً في العام ،2006 قضوا في العراق . بمعنى آخر قضى14000 نحبهم بفعل وضع ناتج عن الغزو الأمريكي للعراق في العام ،2003 وهذا ما يخفض عدد ضحايا الإرهاب، خارج العراق، إلى 6 آلاف شخص . والأكثر من ذلك فإن معظم قتلى وجرحى الإرهاب ليسوا أمريكيين . في العام 2005 قضى 56 مدنياً أمريكياً بفعل الإرهاب، وهذا العدد انخفض إلى النصف(28) في العام 2006 معظمهم قضوا في العراق . وفي المحصلة لم يتعد عدد ضحايا الإرهاب من الأمريكيين خارج العراق ldquo;الدزينةrdquo; الواحدة في العام ،2006 ومع التأكيد أنه ينبغي شجب الإرهاب ومحاربته فإن هذا العدد لا يبرر مطلقاً إعادة صياغة نظامي الأمن الأمريكي والدولي والعلاقات الدولية برمتها، ولا مئات المليارات من الدولارات التي تم إنفاقها، ولا رفع ميزانية الدفاع الأمريكية إلى 481 مليار دولار في العام 2008 أي 66 في المائة زيادة على ما كانت عليه في العام ،2002 وأكثر بكثير مما كانت عليه في عز الحرب الباردة وتحت رئاسة رونالد ريغان في العام 1985 .
حتى في العام 2001 عندما اقترب عدد ضحايا الإرهاب في 11 سبتمبر من ثلاثة آلاف، فإن خمسة عشر ضعف هذا الرقم قضوا في حوادث سير في الولايات المتحدة، وستة أضعافه قضوا اغتيالاً في جرائم فردية، عدا أولئك الذين قضوا غرقاً أو في حريق . وعلى رغم ذلك، فإن أياً من هذه الأسباب لم يتطلب تغييراً في سياسات أو استراتيجيات مكافحة كتلك التي تطلبها الإرهاب . هذا الأخير لا يمكن له أبداً أن يهدد وجود الولايات المتحدة نفسه أو اقتصادها، ما خلا، بالطبع، سيناريو رعب يتمثل بهجمات نووية إرهابية منظمة . وليس هناك من سبب واحد يدعو إلى الاعتقاد أن ما يسمونه بrdquo;الإرهاب الإسلاميrdquo; يشكل تهديداً شبيهاً بالتهديد الذي شكلته النازية أو الشيوعية أو الطموحات الإمبراطورية اليابانية .
بحسب تقرير لجنة الكونغرس حول تفجيرات 11 سبتمبر، فإن موازنة تنظيم القاعدة السنوية تبلغ ثلاثين مليون دولار، وهذا لا يزيد على ثمن طائرة هليكوبتر أمريكية واحدة من نوع شينوك، أو ما ينفقه الجيش الأمريكي في العراق في أربع ساعات فقط . هذا لا يعني أن تنظيم القاعدة تعوزه الأموال التي ينفقها بطريقة، على الأرجح، أكثر فعالية مما يفعل الأمريكيون، لكنه يعني أن قدراته محدودة رغم كل شيء . هذا التنظيم عاش على المبالغة الإعلامية المقصودة في تقدير قدراته وبنيته التنظيمية والتهديد الذي يمثله لا سيما على طريقة العيش الأمريكية . السبب سياسي بالطبع ويهدف إلى تبرير أفعال وإنفاقات واستراتيجيات، على سبيل المثال تسببت تفجيرات 11 سبتمبر بخسارة 16 مليار دولار نتيجة التدمير العقاري الذي لحق بمانهاتن . أما رد الفعل على هذه التفجيرات، وبحسب التقديرات نفسها، فقد كلف تريليون دولار وحياة أكثر من 4 آلاف جندي أمريكي، ومئات الآلاف من العراقيين والأفغان .
لقد بالغت إدارة بوش في تقدير التهديد الإرهابي فقط، لأن مصالح الزمرة العسكرية الصناعية النفطية تطلبت ذلك في وقت كان يحتل فيه البيت الأبيض رئيس تعوزه الكفاءة والتبصر، وفريق يملك أفكاراً عن الشرق الأوسط قرأها في كتاب أعتى المتطرفين ldquo;الإسرائيليينrdquo; . هذه الإدارة استخدمت ldquo;إرهابrdquo; الجماعات لتبرير إهاب الدولة الذي مارسته في غير مكان، وبررت لحليفها ldquo;الإسرائيليrdquo; ممارسته الدائمة المستمرة للإرهاب المنظم الممنهج منذ عشية زرعه في قلب المنطقة العربية إلى اليوم . وما وسمه الأمريكيون وrdquo;الإسرائيليونrdquo; بالإرهاب لم يكن إلا مقاومة للاحتلال تشرّعه قوانين السماء والأرض .
وماذا عن إرهاب الدول؟ من هيروشيما وناكازاكي العام 1945 إلى العراق ،2003 ومن دير ياسين العام 1948 إلى غزة في العام الماضي، فمن يحاسب من؟ ومن يحاكم من؟ اللهم إلا محكمة التاريخ؟
التعليقات