وليد أبي مرشد

إذا كان فشل الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان يحتاج إلى laquo;شاهد من أهلهraquo; فمَن أجدر مِن روبرت بلاكويل لإعطائه؟

أهمية شهادة بلاكويل أنها لا تأتي من laquo;تنظيرraquo; سياسي، بل من تجربة ميدانية في المنطقة (عمل سفيرا للولايات المتحدة لدى الهند)، ومن اطلاع وثيق على أوضاعها (شغل منصب نائب مستشار الأمن القومي في إدارة الرئيس السابق جورج بوش). وعليه حين يقترح بلاكويل تقسيم أفغانستان إلى دولتين: أفغانستان الجنوبية - كدولة للبشتون بقيادة طالبان - وأفغانستان الشمالية للأقليات العرقية الأخرى - الطاجيك والهزارة والأوزبك والتركمان - فهو يقول، ضمنا، إن وضع أفغانستان خرج عن نطاق السيطرة الأميركية.. نهائيا.

اقتراح تقسيم أفغانستان مبني على معطيات معروفة تماما من الإدارة الأميركية: صعوبة إضعاف شكيمة طالبان في مناطق البشتون على الأقل إلى حد يدفعها إلى طاولة التفاوض مع واشنطن، من جهة، وصعوبة الاعتماد على الجيش الأفغاني كقوة مواجهة لطالبان، من جهة ثانية. وإذا أضيف إلى هذين العاملين استمرار دعم laquo;العسكريينraquo; الباكستانيين لطالبان (رغم كل المغريات الأميركية المالية لحكومة إسلام آباد)، وتفشي الفساد في أوساط حكومة حميد كرزاي، تبرز ضرورة فك ارتباط واشنطن بكابل.. بالتي هي أحسن.

إلا أن laquo;التي هي أحسنraquo; تفترض، بعد 10 سنوات من laquo;الوجودraquo; العسكري الأميركي في أفغانستان، حلا يحفظ ماء وجه الدولة العظمى ويجنبها مأساة فيتنام أخرى في القارة الآسيوية، الأمر الذي فشل مؤتمر كابل الأخير في صياغة معالمه باستثناء الأمل الرومانسي - إن لم يكن الطوباوي - في أن يصبح الجيش الأفغاني قادرا على الإمساك بزمام الوضع الأمني في البلاد بحلول عام 2014.

وهنا بيت القصيد في مشكلة إعادة إحياء laquo;الدولةraquo; في أفغانستان، فالجيش الأفغاني الشرعي يعاني من مقاطعة نحو نصف السكان له، أي البشتون في جنوب البلاد. ومن يتجرأ من أبنائهم على التطوع في الجيش تواجه عائلته القتل حال اكتشاف طالبان لأمره.

في ظل التعاطف البشتوني مع طالبان لم يعد الحل العسكري للمشكلة الأفغانية متاحا بالسهولة التي كانت تتصورها واشنطن. ولكن هل يفترض ذلك أن التقسيم هو الخيار البديل؟

واضح أن أولوية التدخل العسكري الأميركي في أفغانستان ليست بناء الدولة الأفغانية laquo;الديمقراطيةraquo; الحرة بقدر ما هي ضرب بؤر الإرهاب التي باتت تهدد الأمن الأميركي في الداخل والخارج معا. وإذا كان تحقيق هذه الغاية يستتبع تقسيم أفغانستان فلا بأس بهذا الحل، شرط أن يضمن خروجا مشرفا للقوات الأميركية من أفغانستان ويخدم المصالح الأميركية الاستراتيجية في آسيا الوسطى على المدى الطويل.

ولكن laquo;التقسيمraquo; في عالم السياسة كالكي في عالم الطب.. آخر العلاج، وليس بالضرورة أنجعه، بدليل ما خلفه من تبعات مأساوية، إنما طبق في (فلسطين - إسرائيل، الهند - باكستان، قبرص اليونانية - التركية..) فكيف في بلد عاص أصلا على العلاج؟

مع ذلك يبقى العامل الإيجابي في اقتراح بلاكويل الاعتراف بأن أي حل للحالة الأفغانية يفترض أخذ تنوعها العرقي في الحسبان، واستطرادا لحقها في ممارسة شكل من أشكال الحكم الذاتي على مناطقها.

ولكن هذا الهدف يمكن التوصل إليه دون اللجوء إلى laquo;آخر العلاجraquo;، أي التقسيم، في حال اعتماد نظام كونفيدرالي يعطي كل أقليات أفغانستان حقها في حكم مناطقها، وفي الوقت نفسه المحافظة على كيانها الجغرافي القائم حاليا.

وقد تكون البداية العملية لهذه التسوية تطبيق اقتراح موفد الأمم المتحدة السابق إلى كابل، فرانسيسك فانديل، الداعي إلى انتخاب شعبي مباشر لحكام الولايات الأفغانية، بحيث تعهد شؤون الجنوب laquo;ديمقراطياraquo; إلى البشتون (أي طالبان عمليا) وتتوزع الأقليات الأخرى في حكم ولايات الشمال.

ربما لن تكون دولة أفغانستان الكونفيدرالية أوفر حظا من دولة أفغانستان المركزية. ولكن من شأن تطبيق النظام الكونفيدرالي أن يحصر نفوذ طالبان في الجنوب ويضعفه في الشمال، بحكم حرص الأقليات الأخرى على ممارسة استقلالها المكتسب حديثا في مناطقها، وقبل هذا وذاك أن يتيح للولايات المتحدة فرصة laquo;الانسلالraquo; من أفغانستان.. بالتي هي أحسن.