حسن عبدالله جوهر


اتهام المعارضة الكويتية بالارتباط بجهات أجنبية كان على الدوام ورقة إعلامية، وإن تغيرت صورها، تهدف إلى تشويه سمعة بعض الأفراد والجماعات لإسقاطها سياسياً أو تحريف مدلولات مطالبها وأفكارها في الأوساط الشعبية، لأن ذلك من أقصر وأسهل طرق الضرب تحت الحزام!

وما أوردته إحدى الصحف المصرية أخيراً بحق المعارضة السياسية في الكويت قد يندرج ضمن إطار حملة منظمة جديدة سلبية ضد الرأي الآخر في الكويت سواءً في مجلس الأمة أو عبر الصحافة والمنتديات الإلكترونية والفضائيات، أو فيما تطرحه التيارات السياسية، أو إذا كان الأمر يحتمل أن يكون مجرد تحليل مبني على اجتهاد شخصي، فإن هذا النوع من التقييم يعد قمة في السطحية والسذاجة لا يراد منه سوى التملق والنفاق السياسي.

وبغض النظر عن دوافع مثل هذه الاتهامات، فإن محاولات ضرب المعارضة السياسية بالخيانة وعدم الولاء والارتباط بدوائر خارجية هي عقدة الكثير من الأنظمة السياسية في العالم الثالث والدول العربية تحديداً، خصوصاً تلك التي تفتقر إلى الديمقراطية وتحمل الرأي الآخر، ودائماً ما تكون الأبواق جاهزة للنفخ في مثل هذه الاتهامات من قبل المتزلفين والمنافقين وممن يحاولون التودد والتقرب من أصحاب القرار.

وإذا أخذنا التجربة الكويتية نجد أن تهم الولاء للخارج دائماً تكون لصيقة بالمعارضة خصوصا البرلمانية، وذلك منذ بدايات العهد الدستوري ولربما قبل ذلك أيضاً، ولم تسلم من هذه الاتهامات الرموز والتنظيمات على اختلاف مشاربها وأطيافها وأطروحاتها، فالتيارات الليبرالية والقومية كانت في حقبة الستينيات هي الخائن الأكبر المرتبط بدوائر الثورة والانقلابات القومية، وتبدل ثوب التخوين في الثمانينيات والتسعينيات لتلبس التيارات الإسلامية بشقيها الشيعي والسني، وفي عقد الألفية الثانية صارت القبائل هي المستهدفة بالخيانة وازدواجية الولاء!

ولكن مثل هذه التهم لم تعد تجني أي ثمار سياسية على الأرض، فمن جهة بقدر ما تكون شعارات التخوين والتشكيك في الولاء والارتباط بالخارج تشفي غليل خصوم بعض رموز أو جماعات المعارضة، ويتم تعبئتهم وتهييجهم نفسياً وفكرياً وسياسياً ضدهم، فبذات القدر يكون رصيد تلك الرموز والجماعات إيجابياً لدى أنصارهم ومحبيهم وقواعدهم الشعبية.

ومن جهة أخرى أصبحت موجة التخوين وضرب الولاءات موضة قديمة، أكل عليها الدهر وشرب، في عصر المعلومات، وتدفق الثقافات وتقاطعها وتفاعلها، وتشابه استراتيجيات المعارضة السياسية عبر العالم، ودخولها في صراعات حقيقية مع حكوماتها، بل نجاحها في بعض الأحيان في انتزاع السلطة منها في إطار التنافس الديمقراطي والمشروع.

وتظل المعارضة بالتأكيد مصدر إزعاج وأرق مستمرين للحكومات، وكلما كانت مطالبها تعكس المبادئ العادلة، وتدعو إلى مواجهة الفساد، وتبني هموم الناس ومشاكلهم، وتلبية طموحاتهم، كان انتشارها أوسع ونهجها أقرب للثقة، وحجتها أبلغ في إيصال رسالتها مهما كانت مربكة ومؤذية للحكومة.

ولذلك فإن مقتضيات النظام الديمقراطي والعمل الدستوري تشترط وجود التنوع السياسي والفكري والمنهجي، ومن دون ذلك لا يكون للديمقراطية طعم، ولا للتنافس حيوية، ولا ثمة دافع للتطور والتقدم، والديمقراطية الصحية هي التي تنجح إما في احتواء آراء وأطروحات المعارضة وتكييفها للمصلحة العامة وإما تفندها الحكومة بالحجة والبديل الناجح فقط.

وإذا كانت المعارضة في الكويت بالفعل مأجورة ومرتبطة بجهة خارجية، فليت أدعياء هذه التهمة أشاروا إلى تلك الجهة السوبر التي احتضنت المعارضين الكويتيين من الليبراليين والسلف والشيعة والقبائل في بوتقة واحدة، ومثل هذه الجهة بالفعل تستحق أن تكون نموذجاً للديمقراطية المثالية التي تجمع هذا المزيج التعددي، ولا أتوقع وجود أي دولة في محيطنا الإقليمي تملك مثل هذا النظام الراقي، ولا حتى الدول الديمقراطية العريقة وصلت إلى هذا حد من الاهتمام بالشأن الكويتي لتجمع معارضتها المتباينة على طبق من الذهب!!