يوسف الكويليت
ظلت الأردن أكثر الدول العربية اعتدالاً في سياستها، ولأنها كانت الأقرب إلى الغرب من الشرق، فقد أحاطت بها الزلازل وتوابعها، من محاولات انقلاب على الحكم، إلى الاغتيالات، وإجبارها خوض حروب خاسرة، فقدت فيها الضفة الغربية كلها عندما كانت تشرف عليها، ولم تُشف حتى انفجرت أحداث آيلول الأسود، وقد طلبت مساعدات من جيوش عربية، بعضها أدى واجبه تحت إرادة الدولة هناك، وأخرى رأت فيه فرصة للتدخل في شؤونه، ولأن الإرادة الصلبة للملك حسين وقراءته الدقيقة لكل ما يحيط به، دعتاه إلى التعامل مع تلك المآزق بعمل يخدم مصلحة بلده وينجيها من عنفوان الثورية والانقلابات..
حاضر الأردن، رغم الموارد الشحيحة وتزايد أعداد السكان، وتحمل نصيبه من لاجئي العراق، إلا أنه الأفضل في محيطه، أمنياً واقتصادياً، والسبب جاء مع الاستقرار الذي جذب الاستثمارات، والتعليم المتطور، وهي عوامل مهمة لأي بلد يريد أن يقص شريط التنمية المتوازنة..
محطة الملك عبدالله بن عبدالعزيز في جولته العربية، هي الأردن، وليس هناك ما يوضع خارج السياقات الطبيعية، إلا المشاكل العربية المتداولة حالياً، لأن العلاقة الثنائية تنمو باستمرار على قاعدة التعاون المفتوح، وهناك الكثير من العمل والتشاور يجري دائماً، ولعل الاعتدال في السياسة العربية، ليس مطلوباً فقط، بل ضرورة في محيط نمو عناصر التطرف، وتنامي وعي الأجيال التي لا بد أن تحصل على فرصها الطبيعية أسوة بغيرها من الشعوب، ونحن لا تنقصنا الثقافة أو الجدية في الأداء، لكن الخطط هي التي هزمت الأجيال عندما جاءت مبددة للجهود والعقول معاً، ولعل سياسة البلدين أو المملكتين، هما خير من يهتم بقاعدة التعليم وتطوير الإنسان وتنمية المعرفة، وهي أدوات النجاح، أو الطريق إلى تفجير طاقات الإنسان، وتحويله من أداة سلبية إلى عامل إنتاج ونجاح في كل أعماله..
القائمة طويلة، لكن وجود التصميم والقناعة بتحويل كل الامكانات إلى أدوات إنتاج وابتكار، هو الذي استدعى من خادم الحرمين الشريفين أن يأتي تركيزه على الجانب التعليمي، من خلال الابتعاث للخارج لكسب معارف وتجارب جديدة، ثم توظيف المال العام في أدوات متعددة، تكسر حاجز الاعتماد على المورد الواحد، أيضاً نجد الأردن يوجِّه امكاناته على نفس الطريق، حتى أن مجالات مثل التقدم في علوم الطب واقتصاد السياحة، والتعامل مع الداخل الوطني بوضع اجتماعي متميز، وهي العوامل الأساسية في تخطيها بلداناً لديها كل الامكانات، ولكنها مرتهنة لعوائق وخلافات عصفت بداخلها، وجهزت الآخرين للتدخل بشؤونها، ما أفقدها ميزة أن تكسب الجولة الأولى في العراك مع الحياة..
ما يجمع البلدين ليس العامل السياسي، رغم أهميته، لكن هناك مجالات تتسع كل يوم لإضافة بند جديد في التعاون على المستوى الحكومي والأهلي، يقررها تشابه التقاليد والعادات والموروث الواحد..
التعليقات