عبد الرحمن الراشد

منذ أسبوعين والعمل كان جاريا على إخراج الزيارة الثنائية السعودية - السورية إلى لبنان، كان لا بد من خطوة في غاية الإثارة، ولم تكن هناك إثارة أكثر من أن يظهر العاهل السعودي والرئيس السوري معا على أرض مطار بيروت.

وقد أثارت الزيارة الثنائية الجميع، أيضا أثارت شجونا كثيرة في أوقات المحن هي في بداياتها، ربما. المحكمة وإيران والبناء العسكري لحزب الله ومفاوضات سلام جديدة، كل هذه القضايا الأربع كافية لخلق جو من الخوف يلف لا لبنان وحده بل كل المنطقة. ولأن لبنان هو الخاصرة العربية الرخوة، ومن السهولة بث الرعب والفوضى من خلاله، فإن الحد الأدنى للقوى الرئيسية في المنطقة أن تحاول تهدئة الوضع في هذا البلد سريع الحساسية.

فهل يمكن منع الحريق في بلد ملتهب قبل اشتعاله؟ الأمر ليس سهلا أبدا، لكن إذا اتفقت القوى الرئيسية على عدم الانزلاق نحو الخلافات الداخلية، والتزم اللاعبون الأساسيون بقواعد اللعبة السياسية، فإن الجميع يمكن أن يتجاوزوا محنة القضايا الأربع الخطيرة جدا. وهنا نرى سورية والسعودية مستعدتان للالتزام بالقواعد الجديدة، ويتبقى على الآخرين أن يقوموا بالأمر ذاته.

لكن ماذا لو لم يلتزم الآخرون، مثل إيران وإسرائيل، بالهدنة الجديدة؟

أعتقد أن التزام بلدين أساسيين مثل السعودية وسورية يعطي ضمانات أفضل، لأنهما يمثلان اتجاهين مختلفين، وعلى كل بلد السعي لمنع مجموعته من تخريب الوضع على الأرض. مهمة صعبة لكن هذه قيمة وجود اتفاق بين بلدين كبيرين ومختلفين.

وهنا نرى الصعاب جلية حتى في مناخ الزيارة، فالأميركيون من جانبهم لم يترددوا في تثبيت العقوبات على سورية في نفس اليوم الذي يزور فيه الملك عبد الله دمشق، وكذلك حزب الله الذي استقبل الزيارة مهددا حكومة 14 آذار!

ومع أن الطريق طويل من أجل تذليل المشكلات المعلقة، مثل سلاح حزب الله الموجه للداخل والعقوبات الأميركية على سورية، فإنه بمجرد السير على الطريق فإن الكثير يمكن أن يحدث. والتحدي الحقيقي ليس في مبادرة الملك عبد الله بالسفر إلى دمشق واصطحابه الرئيس بشار الأسد، رغم نبلها وأهميتها، بل في الاستفادة من هذه الخطوة المثيرة جدا في وقت صعب وخطر جدا.

وعلينا أن لا نهون من خطوات الملك عبد الله، فهو الذي قلب المؤتمر في الكويت عندما فاجأ الجميع بخطابه عن المصالحة بعد أن جاء الجميع مستعدين للمنازلة. لم يدر بخلد أحد مثل تلك المبادرة. وحتى بعد نهاية الجلسة، واستضافة الملك المتخاصمين على طاولة الغداء في جناحه، كانت هناك شكوك بإمكانية منع الحريق، والآن بعد عام ونصف العام نرى النتيجة جيدة، شكرا للرجل. وهذه المبادرة الثانية منه التي تكمل الأولى. وهي تضع الجميع أمام أحد طريقين، الأول حروب متسلسلة جديدة، أو طريق سلام يفكك القضايا المعقدة.