هاني نقشبندي
وسط ضجة الهواجس الأمنية في العالم عربيا ودوليا، قرأت خبرا بدا عاديا في شكله، لكنه شديد الغرابة في مضمونه.
الخبر يقول إن السلطات الأمريكية وافقت على السماح بإنشاء مسجد في نيويورك. وإلى هنا الخبر عادي بعد أن اعتدنا على سماح الغرب ببناء المساجد، لكن الغريب هو الموافقة على أن يكون المسجد قريبا من موقع هجمات 11 سبتمبر في نيويورك.
في عالمنا العربي تتضاءل الحرية أمام الأمن. فنحن مسكونون بهاجس الخوف من كل شيء، وبشكل لا يخلو من مبالغة مبالغ فيها بشكل مبالغ. ودليلي على ذلك هو قصة هذا المسجد في عاصمة المال الأمريكية. فرغم أن أمريكا laquo;انلسعتraquo; بل laquo;احترقتraquo; في عقر دارها بنار التطرف والاعتداء على أمنها وحريتها من قبل جماعات إسلامية متطرفة، ورغم أنها الدولة الأولى في مواجهة التطرف الديني، بل والمستهدفة مباشرة منه، إلا أنها تخطت هاجس الخوف بموافقتها على إنشاء مسجد يجتمع فيه مسلمون قد لا يبتعد التطرف عن أفكار بعضهم بمسافة أبعد من موقع المسجد عن مركز التجارة، أي عن مكان الجرح الذي نزفت منه أمريكا دم أكثر من ثلاثة آلاف من أبنائها.
لقد تجاوز قرار مدينة نيويورك العقبة الأمنية ليرجح في النهاية كفة الحرية الدينية مع أن مصيبتها أتت من كفالتها لهذه الحرية. رغم ذلك لم تقف أمام حادث واحد ضد حرية المسلمين في أن يكون لهم مسجد في أكثر مواقع أمريكا حساسية من الناحية الأمنية والاجتماعية.
في عالمنا العربي يمكن أن يصدر أي قرار دون سابق إنذار، ويلغى أي قرار بدون سابق إنذار بحجة كلمة واحدة هي laquo;الأمنraquo;. لقد أصبحت الكلمة مثل عفريت من رماد يسكن قمقما يخاف الكل أن يطلق من عقاله.
لقد كانت الأطباق الطائرة ممنوعة في فترة ما بسبب دواعي الأمن، اليوم أصبح من دواعي الأمن أن تكون هناك تكنولوجيا للأقمار الصناعية تنقل لك ما يدور خلف دارك.
في فترة ما كانت الهواتف الجوالة ممنوعة بما فيها الهوائيات، اليوم أصبحت ضرورة حتى للأطفال. هذا يعني أن هاجس الأمن يسبق نظرتنا للمستقبل. بل إن المستقبل نفسه أصبح رهين الأمن حتى يثبت العكس. من أجل ذلك أقف احتراما لنيويورك بسلطاتها وناسها وحتى سائقي التاكسي فيها أن استطاعوا هزيمة الخوف بالموافقة على إنشاء مسجد ليس بعيدا عن جرح عميق لم يندمل بعد. فبالقدر الذي نفترض نحن فيه سوء النية في بعضنا البعض دون مبرر منطقي، بالقدر الذي تحسن فيه العقلية المتطورة الظن في غرباء مسلمين شطح بعض أبنائهم إلى تطرف قاتل.
التعليقات