محمد علي باناجة

مشكلة أمريكا !سأتحدث من منظور واقعى مؤجلاً الحديث عمّا هو حق وعدل، ليس لكونهما بلا قيمة، إنما لأنهما ليسا الفواعل الأساسية وراء الأحداث. يمثل هذا الإقليم مشكلة للسياسة الأمريكية بنفس القدر، وربما يزيد على ما تمثله هي من مشكلة لأعضائه بدرجات وصور متراوحة، فليس للعب على مسرحه قواعد ثابتة مسبقة تسهّل رؤية منظمة مستقرة للحركة عليه، وبالتالى صعوبة تشكيل سياسات طويلة المدى بشأنه، وأقرب حلفاء أمريكا إليها فيه (إسرائيل) جزء كبير من مشكلاتها معه، وإسرائيل ليست حليفًا محبوبًا، إنما هي حليف عنيد، صعب المراس، ولا هو تحالف مصلحة مشتركة، فلا وجود حقيقى لمصالح كهذه بينهما، إنما تحالف أعباء على طرف، ومزايا بلا تبعات للطرف الآخر. فقط إسرائيل حليف لا يمكن لواشنطن فصم تحالفها معه، ذلك معطى ثابت من معطيات السياسة الداخلية الأمريكية، غير قابل للتغير، بهذا يكتمل تعقيد الموقف وصعوبات منهجية تحليله.
لا سبيل هنا أيضًا إلى بديهية نفض اليد للتخلّص من المتاعب، أو بالبلدى غير الفصيح (شيل دا عن دا، يرتاح دا من دا)! فالولايات المتحدة فى الواقع الحالى ليست قوة دولية ذات اهتمام إقليمى، إنما لاعب إقليمى من داخل الإقليم، وقوة دولية من خارجه معًا، وفي الوقت نفسه! أقرب نموذج شبيه لهذه الحالة حال الولايات المتحدة مع أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، وهو وضع لا صلة له بميول الهيمنة كما يتصور من يفكرون بالأيدولوجيا لا بالنظر، أو الهاربون من التحليل إلى التسطيح، فلا حاجة لمن جعلته التكنولوجيا والاقتصاد لا غنى عنه؛ لأن يفرض هيمنة على أحد، إنما هى علاقة تبادلية مطلوبة ومزعجة للطرفين! في هذا الإقليم لا أحد راضٍ عن أحد، لا إسرائيل والآخرين فيه يتمتعون بعلاقة انسجام مع واشنطن، ولا أحد منهم سعيد كل السعادة بعلاقته مع الآخر، ولا واشنطن تدير علاقات مريحة معهم، هذه طبيعة العلاقات الإنسانية عمومًا، إلاَّ أنها تأخذ بُعدًا عالي التوتر فى مرحلة سريعة التغيرات، قليلة الضوابط.
بين العرب وإسرائيل نزاع مريب، لا مصلحة لأحد فيه عدا إسرائيل، ومن يريدون توظيفه لمصلحتهم من عرب وغير عرب، الفلسطينى العادى أكثر المتضررين منه، وتأتى واشنطن فى المرتبة الثانية من حيث التضرر، بحيث يجوز للمراقب أن يقيس بموضوعية درجة استجابة إدارة أمريكية لضغوط اللوبى الإسرائيلى بمستوى جدية مساعيها لإيجاد تسوية نهائية لهذا النزاع، كلما تضاءلت المساعى الجادة دل ذلك على توفيق الضغوط.. إذن المسألة ليست نزاعًا بين العرب من جهة وإسرائيل وحليفتها من جهة أخرى، هذه سطحية مضللة، مريبة ريبة استمرار النزاع ذاته، وتمثل منطق المستفيدين من استمراره بصورة ما.. لم أستوفِ الموضوع بعد؛ لذلك سأواصل الأسبوع المقبل.