كامل يوسف حسين
ربما لم يقدر لشركة في العالم أن تحرز صيتا سيئا كذلك الذي نالته شركة بلاك ووتر الأميركية، التي أنشأها في عام 1996 المليونير الأميركي إريك برنس، الذي خدم في البحرية الأميركية، وارتبط بالمحافظين الجدد واليمين الأميركي المتعصب. واشتهرت الشركة بمراكمتها لأرباح فاقت المليار دولار، في السنوات التي أعقبت أحداث سبتمبر، واعتبرت الشركة الأكثر استفادة من الحرب التي شنتها أميركا على ما يسمى بالإرهاب.
وعلى الرغم من الدور الأساسي للشركة في جيش المتعاقدين الخاصين، الذي وظفته أميركا في العراق، فقد بقي هذا الدور في الظل، حتى 31 مارس 2004 عندما قتل أربعة من عناصرها المسلحة في مدينة الفلوجة في العراق، وسحلت الجماهير الغاضبة جثثهم، وعلقت اثنتين منها على ضفاف الفرات.
وردت قوات الاحتلال الأميركية بحرب وحشية، شنتها على المدينة، قتل فيها عشرة آلاف من المدنيين، وهجر أكثر من مئتي ألف غيرهم، ولا يزال أبناء المدينة يعانون من آثار المواد النووية والكيماوية المتناثرة فيها، فضلا عن التدمير الشامل لبنيتها الأساسية، التي لم تمتد إليها يد الإصلاح حتى اليوم.
لم تصبح بلاك ووتر تاريخا ولا شيئا ينتمي إلى الماضي، وإنما هي اليوم تحت اسمها الجديد laquo;إي إكسraquo; تواصل عملها، فقد أفادت التقارير الواردة من أفغانستان أنها تلقت عقدا من السي آي إيه بمئة مليون دولار، لحماية قواعدها هناك، وعقدا آخر من الخارجية الأميركية بمئة وعشرين مليون دولار، لتأمين المباني الدبلوماسية الأميركية، بما فيها الأبنية الممتدة عند مشارف كابول.
وعلى الرغم من الصيت السيئ للشركة، والاتهامات الموجهة إليها بالغش عن طريق تقديم فواتير مضللة للحكومة الأميركية، فإن من المتوقع أن تحصل الشركة على عقود بقيمة مليار دولار من الحكومة الأميركية في أفغانستان، خلال العام المقبل.
هذا التطور ليس مدهشا، في ضوء تاريخ الشركة، فقد كانت تحتل المرتبة رقم 12 في قائمة المتعاقدين الخاصين مع الحكومة الأميركية في العراق، وحصلت على 500 مليون دولار منها في الفترة ما بين 2004 و2006، وهي المتعاقد الأكثر تعاونا مع الخارجية الأميركية، وتحصل على 90% من أموالها من الحكومة الأميركية، وتنال أكثر من ثلثي هذه النسبة من عقود لا تتم ترسيتها عليها من خلال مناقصات.
هذا كله لا يرجع إلى الشركة وحدها، وإنما مرده إلى صميم الاستراتيجية الأميركية الراهنة، حيث تقوم هذه الاستراتيجية على إبهار الشعب الأميركي بأرقام متوالية عن تقليص الحضور الأميركي العسكري في الخارج، بينما يتحول المتعاقدون إلى جيش مواز للجيش الأميركي، ويكفي أن نتذكر أن للجيش الأميركي حاليا 850 قاعدة عسكرية على امتداد العالم، بخلاف قواعده في العراق وأفغانستان.
هكذا فبينما تحرص أميركا أوباما على إظهار الوجه الأميركي المسالم أمام العالم، وتشدد على أنها تتبنى رؤية مختلفة عن رؤية إدارة بوش، لا يدرك الكثيرون أن الولايات المتحدة لها حضور عسكري ملموس، في أكثر من مئة دولة على امتداد العالم، والحضور هو التعبير الدبلوماسي عن وجه أو آخر من أوجه الاحتلال والعدوان والحرب. وبينما يبدو للبعض أن أميركا ترفع لواء السلام، وتتحرك تحته وباسمه ومن أجله، فإن الحقيقة البسيطة هي أن جيوشا من المتعاقدين الخاصين، يتفاقم وجودهم كل يوم ويتعاظم تأثيرهم في كل مكان من العالم.
ربما لهذا، على وجه الدقة، فإننا نتوقع أن نرى ونسمع المزيد والمزيد من الأخبار والتقارير عن بلاك ووتر وأخواتها في المستقبل القريب.
التعليقات