سياسيون: الجماعة فشلت في التأثير في أي حدث سياسي كبير تشهده مصر


القاهرة - فتحي خطاب

أثار مسلسل (الجماعة) إهتمام الكثيرين داخل الدوائر السياسية والحزبية في مصر, وداخل أوساط المثقفين والنشطاء السياسيين, ومن زاوية تقييم الجوانب السياسية في منتج درامي يتناول سيرة مؤسس جماعة الإخوان المسلمين حسن البنا والأحداث والوقائع السياسية في حقبة تاريخية هامة من تاريخ مصر!! وغاب النقد الفني أمام موجة النقد السياسي, وأمام جدل المقارنة بين إخوان المسلسل و إخوان الواقع .. وانتقل الجدل السياسي حول حلقات المسلسل إلى داخل تجمعات وحفلات الإفطار الرمضانية والتي يتم تنظيمها سنويا لأهداف ومصالح سياسية وحزبية وعلاقات عامة, وقد غلبت عليها هذا العام الاستعدادات والترتيبات للانتخابات التشريعية المقبلة في شهر تشرين أول, ومصير التحالفات بين الإخوان والقوى الحزبية المعارضة والتي لا تزال بين الرفض أو القبول بشروط, ولذلك كان مسلسل الجماعة حاضرا داخل المنتديات السياسية والثقافية,وعلى موائد الإفطار الجماعية للقوى السياسية والحزبية والشخصيات العامة!!

سياسيون ومثقفون أجمعوا على أن المسلسل يمثل دعاية مجانية لجماعة الإخوان, ولم يستبعدوا التأثير الإيجابي للعمل الفني على قطاعات كبيرة داخل الشارع المصري للتعاطف مع الإخوان.. وقالوا: قد يبدو أن المسلسل متحامل على الإخوان,غير أن النظرة المنصفة والعميقة تكشف أنه أفضل عمل درامي قدّم هذه الجماعة, بل إنه أسهم بقوة في الترويج لها بين قطاعات فشل الإخوان في الوصول إليها على مدى عقود طويلة, خاصة وأن الدراما مثل السحر تتسرب إلى الدم دون أن تشعر, والإخوان في دراما (الجماعة) ظهروا أيضا أصحاب رسالة وتضحيات, رغم أنهم انتهجوا أسلوب العنف.. كما أن الناس تشاهد الدراما بأحاسيسها لأن الأبطال يتحركون أمامهم دما ولحما, لذا يهمل المرء الوقائع التاريخية والأحداث التي تحتمل إختلاف الروايات, ويندمج ويتعاطف مع الشخصيات.. ينسى الإدانات التاريخية ويرتبط بالنماذج!!

أما جماعة الإخوان المسلمين فهي ترى أن المسلسل يحمل أهدافا سياسية في توقيت محدد قبل الانتخابات المصيرية والهامة المقبلة التشريعية والرئاسية وحيث يسعى الإخوان للتنسيق مع القوى السياسية والشعبية للضغط على النظام الحاكم لإطلاق المعتقلين السياسيين, وتدعيم الديمقراطية, ووضع ضمانات لنزاهة الانتخابات, وإلغاء القوانين المقيدة للحريات, والانطلاق نحو الإصلاح والتغيير بتعديل المواد الدستورية لفتح باب الترشح لرئاسة الجمهورية لكل راغب, وإعطاء الشعب وحده حق اختيار وتحديد من يقوده للمستقبل.. وأن جماعة الإخوان المسلمين تتواصل مع قوى المجتمع, والأحزاب, والهيئات الوطنية, والجمعية الوطنية للتغيير, لإنجاح الجهود الرامية إلى توحيد الصفوف حول مطالب الإصلاح السبعة المتفق عليها, ودعوة الجماهير إلى التفاعل والمشاركة الجادة في التوقيع عليها, كمقدمة للإصلاح السياسي..

وأن هذا المسلسل يحاول أن يعرض صورة مشوهة للجماعة ومبادئها, وفي إطار أن النظام يستخدم الدين فزاعة للاستمرار في السلطة, وقد جاء مسلسل الجماعة دعاية مفضوحة ومحاولة يائسة لتحسين صورة الأجهزة الأمنية, ومحاولة فاشلة لتغيير قناعات المصريين والتأثير على أفكار الناس, ولكن الشعب المصري يلتف حول المشروع الإسلامي الإصلاحي الذي تتبناه الجماعة حسب ما تقول قيادات إخوانية وأن الشارع المصري يفطن إلى محاولات التشويه المتكررة من جانب النظام للإخوان, وآخر هذه المحاولات مسلسل كتب بمراجعة أمنية لكل حلقاته, وهو ما ساعد على ظهور الجماعة بشكل على غير الحقيقة, وأهم من ذلك ظهورهم وكأنهم يتبنون العنف, فالمسلسل أراد تشويه صورة الإخوان, ووصفهم بما ليس فيهم بالبهتان والزور, وطريقة عرض الأحداث كانت مليئة بالافتراءات.. وأعلنت جماعة الإخوان المسلمين أنها ستنتج مسلسلا يحمل عنوان حسن البنا رحلة لم تنته بعد عيد الفطر المبارك للرد على مسلسل الجماعة ..

وقال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين الدكتور محمد بديع إن الإخوان قدموا نموذجا في الأداء السياسي أحرجوا به من يحاولون إبعاد الإسلام عن معترك الحياة, وأن الإخوان جهزوا وثائق وأدلة من مستندات ورقية وفيديوهات تكذب ما جاء في مسلسل الجماعة.. وطالب د. بديع, الأحزاب والحركات الوطنية بالتوحد مع الإخوان, وعدم الانتباه لتدخلات الحكومة في إثارة الخلافات والمنازعات.. وأكد أن الإخوان سيكونون صوتا وساعدا قويا في وجه المفسدين بشرط توحدهم على راية الإصلاح.

سياسيون ومثقفون انتقدوا موقف الإخوان من المسلسل, ورفع دعوى قضائية لمنع عرضه تلفزيونيا.. وقالوا أن الإخوان رسبوا في معركة جديدة تخص حرية الرأي والتعبير, وأقاموا دعوة حسبة فنية نصبوا فيها أنفسهم أوصياء على المجتمع, وطالبوا بمنع عرض المسلسل لأنه لم يعجبهم, رغم أنه من حقهم رفضه أو نقده أو القيام بعمل آخر, ولكنهم اختاروا طريق المنع ومقاضاة عمل فني تجرأ وصور حسن البنا في صورة الرجل غير المعصوم الذي يصيب ويخطئ مثل كل البشر. ورغم أن هذا العمل يعكس رؤية مؤلفه السياسية,وهو في النهاية ليس فيلما وثائقيا, إنما عمل درامي يخضع لرؤى القائمين عليه, التي هي بدورها يجب أن تخضع للمراجعة والنقد خاصة فيما يتعلق ببعض التحيّزات والمغالطات التاريخية!!

ويرى بعض المراقبين والمحللين أن جماعة الإخوان المسلمين قد فشلت في التأثير في أي حدث سياسي كبير تشهده مصر, وأن مشكلة الإخوان الحقيقية هي سياسية وتتعلق بمنهجها, وأن صيغة الإخوان الفضفاضة هي التي أبقت الجماعة صامدة 82 عاما!! وقال الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام لعل ما يؤخذ على مسلسل (الجماعة) أنه تحدث عن الجماعة في الثلاثينيات والأربعينيات كأنها عجبة ولم يشر بأي صورة لملامح الحياة السياسية النشطة في ذلك الوقت, وشكل باقي القوى السياسية, وكأن الجماعة كانت موجودة بمفردها على الأرض,أو في كوكب آخر.. أما الجانب المرتبك في إخوان المسلسل فتمثل في علاقة مؤسس الجماعة حسن البنا وأسرته بالسعودية,حيث صورها على أنها علاقة تبعية منذ البداية, وأن بقاء البنا في مصر سيخدم الاستراتيجية السعودية أكثر من ذهابه للعمل هناك, والحقيقة أن السعودية في ذلك الوقت كانت تستكمل تأسيسها على يد الملك الراحل عبد العزيز آل سعود الذي أعلن في عام 1932 عن نشأة المملكة ككيان موحد بدأ ضعيفا, لا فيه مال ولا حكم حديث, في حين أن المسلسل صورها كقوى عظمى لديها رؤية استراتيجية!! من أجل إظهار تبعية إخوان المسلسل وليس إخوان الواقع للسعودية, والإساءة للشيخ حسن البنا.

وهو هنا يسيء إلى مصر (القوة المؤثرة في محيطها العربي والإسلامي في ذلك الوقت) أكثر من الإخوان, صحيح أن العلاقة بين الإخوان المسلمين والسعودية قد تشكلت على هذا النحو,وحين دعمت السعودية بقوة الإخوان في صراعهم مع عبد الناصر, ولكن كان ذلك في الستينيات وليس في الثلاثينيات كما جاء في المسلسل!! وأما الجانب الأكثر إثارة للجدل فهو إصرار المسلسل على تقديم الجماعة على أنها جماعة جهادية, وأن العنف أمر أصيل في بنيتها, وأن التنظيم الخاص مازال موجودا حتى الآن,آخذا من العرض الرياضي العنيف الذي جرى في جامعة الأزهر قبل عامين دليلا وهميا على ذلك..

وأضاف د. الشوبكي وبصرف النظر عن الجدل القائم حول المسلسل, فإن مشكلة الإخوان ستبقى بالأساس سياسية تتعلق بصيغتها ومنهجها, فهي جماعة دعوية وسياسية, وفي نفس الوقت ترفض الدولة المدنية والمواطنة ومبادئ الديمقراطية كما جاء في برنامجها, وهي مثل الحزب الوطني الحاكم في مصر تستمع للنقد بسعة صدر ولكنها لا تنفذ منه شيئا, ولم تقم بخطوة إصلاحية واحدة رغم أن بها كثيرا من الإصلاحيين!!

ويرى د.الشوبكي أن المسلسل قد إنحاز بشكل كامل وأعمى لجهاز أمن الدولة ووزارة الداخلية, وبصورة تشعرك أن التحقيقات التي تجرى مع عناصر الإخوان تجريها أجهزة أمن الدولة في سويسرا أو السويد وليس حتى في فرنسا أو أمريكا, وأنه لو قررت وزارة الداخلية أن تقوم بعمل مسلسل للإشادة برجالها لما قدمتهم بنفس الصورة التي قدمها مسلسل الجماعة الذي قضى على مصداقيته, رغم أنه كان محاولة جادة لفهم جماعة الإخوان من الداخل, ومن أسوئها في فهم البيئة المحيطة بها من الخارج!!

من جانبه قال الفنان والناشط السياسي عبد العزيز مخيون أحد نجوم المسلسل أنني أشعر بأسف نتيجة إختزال البعض للعمل في جانبه السياسي, وإستمرار ملاحقته بإتهام الإساءة لجماعة الإخوان المسلمين.. ومبدئيا العمل لا يحمل إساءة للإخوان المسلمين,أو أي جهة أخرى, ومن الظلم الترويج لذلك, وقد تحدثت إلى أعضاء الجماعة وقلت لهم إذا كنتم ترون العمل مسيئا لكم, فعليكم الرد بعمل فني مضاد يوضح الصورة سواء كان فيلما أو مسلسلا, وهنا يكون الرد عمليا.. وأضاف مخيون : كان من الممكن أن يكون التقييم السياسي جزءا من التقييم للعمل الفني ككل, على أن يبقى الجانب الفني هو الأبرز عند الحديث عن المسلسل, لكن ما حدث فعليا أن تاه الجانب الفني لصالح النقد السياسي!!

الخبير الأمني اللواء فؤاد علام نائب رئيس جهاز أمن الدولة الأسبق يؤكد أن مسلسل (الجماعة) كشف أهداف جماعة الإخوان المسلمين وأسلوبها وتاريخها.. وقال اللواء علام : ليس صحيحا ما يقال بأن هناك تأثيرا إيجابيا للمسلسل على الإخوان قبل موعد الانتخابات التشريعية المقبلة, والحاصل أنه قبل الانتخابات السابقة 2005 كانت الحركة السياسية بصفة عامة, والحزبية بصفة خاصة, حريصة على الإقتراب من الإخوان للتصور بأنهم قوة في الشارع ويمكن التعامل معهم وأن يحققوا نجاحات, لكن الأحزاب أدركت أن هناك عنصر خيانة من الإخوان في الانتخابات السابقة!!.