حملة اعلامية على دمشق: ملاحقة الاسلاميين.. وانفتاح محدود على الجماعات الاهلية
يمارس سياسة 'اكسرها من جهة وصلحها من جهة' ويمنع القبيسيات للحفاظ على الطابع العلماني
لندن
الاشارات الاصلاحية القادمة من سورية تبدو متناقضة في الكثير من الاحيان، فمن ناحية تطلق السلطة الحرية لمؤسسات المجتمع المدني وتفتح امامها مجال العمل وان كان بشكل محدود، وفي اخرى تنهي زمن المجاملة وتظهر تشددا مع جماعات اطلقت لها الحرية في السابق وتقوم باغلاق الابواب امامها، خاصة الجماعات الاسلامية.
ومظاهر التشدد التي قامت بها الدولة اخيرا محاولة لتقييد دور مؤسسات اسلامية ومنظمات خيرية وظهور لشخصيات اسلامية نافذة متعددة ومراقبة عمل المدارس الاسلامية فهي تشمل عمليات عزل عدد من اعضاء جمعيات خيرية اسلامية ومنع ناشطات في جماعة 'القبيسيات' النسوية من النشاط في المسجد، وعزل عدد من المسؤولين الكبار في الحكومة نظرا لميولهم الاسلامية، اضافة لفرض قيود على الخطابة في المساجد حيث باتت الحكومة تطلب من الائمة وكبار الوعاظ تسجيل خطب الجمعة.
وينظر الى القرار الاخير الذي اتخذته وزارة التعليم بمنع المنقبات من التسجيل في الجامعات ومنع اكثر من الف مدرسة منقبة من التدريس ونقلهن للقيام بمهام ادارية، كاشارة لمظاهر التحول داخل المؤسسة السورية. وفي مقابل التشدد مع النشاط الاسلامي، هناك انفتاح محدود الطابع على مؤسسات للعمل المدني.
وترى صحيفة 'نيويورك تايمز' التي رصدت مظاهر التشدد نحو النشاط الاسلامي والانفتاح المحسوب انه جزء من محاولات النظام السوري تأكيد الملمح العلماني للدولة لمواجهة التهديدات التي تمثلها الجماعات المتطرفة والراديكالية في المنطقة وان ما يجري في سورية هو ذروة عملية بدأت في عام 2008.
وترى الصحيفة ان التحرك الذي يبدو تراجعا عن مواقف سابقة يبدو متناقضا في الوقت نفسه من النظام الذي تسامح مع مظاهر المحافظة الاسلامية لسنوات سابقة التي تصاعدت داخل المجتمع السوري من جهة، ويقوم بدعم جماعات اسلامية في الخارج من مثل حركة حماس والجهاد الاسلامي وحزب الله من جهة اخرى.
ونقلت عن مسؤولين سوريين اصرارهم على ان الرقابة على مظاهر المحافظة الاسلامية هو نتاج قلق محلي ولا يؤثر بالضرورة على الجماعات المقاومة لاسرائيل في فلسطين ولبنان.
وفي الوقت نفسه تحدث المسؤولون وباعتزاز عن حملة تأكيد العلمنة في المجتمع السوري دون تقديم تفاصيل عنها. وبحسب محللين سوريين فهذه المظاهر هي جزء من مجاملة لامريكا والاوروبيين الذين يحاولون التقرب من النظام السوري، كجزء من استراتيجية لعزله عن ايران وكبح جماح كل من حماس وحزب الله.
ويرى ناشطون في مجال الدفاع عن حقوق الانسان ان التوجهات السورية تثير قلقا من ناحية الاعتقال العشوائي للاسلاميين وكذلك مواصلة النظام حرمان جماعات العمل المدني من الفضاء السياسي للتعبير عن حريتهم وارائهم. وترى الصحيفة ان تحول الدولة ضد الجماعات الاسلامية بدأ عام 2008 بعد الانفجار في العاصمة السورية وادى الى مقتل 17 شخصا وحمل تنظيم فتح الاسلام مسؤوليته.
وتنقل الصحيفة عن بيتر هارلينغ قوله ان تلك العملية تعتبر المحفز الأول الذي قاد لاستهداف الإسلاميين، مشيرا إلى ان النظام السوري قرر بعد فترة من مجاملة الإسلاميين أن يتصدى لهم بحملة قمعية خاصة انه أدرك مدى التحدي الذي تمثله الجماعات هذه فيما يتعلق بأسلمة المجتمع السوري.
واصبحت الحملة على الاسلاميين واضحة هذا الصيف بعد قرار منع المنقبات من التسجيل في الجامعات وهو القرار الذي قورن بالقرار الفرنسي حظر النقاب في الاماكن العامة. ونظر مراقبون للقرار هذا على انه تحرك من الحكومة لتقليل مظاهر الاسلمة التي بدت واضحة في المجتمع السوري لكن المسؤولين السوريين يرون في النقاب علامة 'دخيلة' على المجتمع السوري. ومع انه لا توجد اية ردود فعلية سلبية على الاجراءات الجديدة لكبح جماح الاسلمة بين السوريين الا ان اماما عزل من عمله دون اي سبب قال ان الاسلاميين لديهم الان حجة من ان النظام يستهدفهم.
ويتذكر الكثير من السوريين المواجهة الدامية بين النظام السوري وحركة الاخوان المسلمين في ثمانينيات القرن الماضي والتي ادت لمقتل وسجن الالاف وتهديم مدينة حماة في المواجهة بين النظام والاخوان. وتشير الصحيفة الى ان الدولة بدأت تجامل الاسلاميين وعينت اول شيخ كوزير للاوقاف بدلا من كادر في حزب البعث بعد ان اشتدت الضغوط الامريكية على سورية عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.
ويبدو ان الدولة الآن تحاول احتواء ما غذته وشجعته خاصة ان الرئيس بشار الاسد المح في لقاء مقدم برنامج امريكي تشارلي روس ان التحدي الذي تواجهه الحكومة للحفاظ على سورية علمانية هو 'التطرف في المنطقة'.
ويشار الى ان الاسد اشار في السابق الى ان شمال لبنان يعتبر مصدرا للتطرف فيما نقل عن نائب قوله ان ما حدث في نهر البارد من مواجهات بين اسلاميي فتح الاسلام والجيش اللبناني يجب التعامل معه بجدية. وكانت الحكومة قد الغت مؤتمرا كان مقرر عقده بدايه العام عن العلمنة دون ابداء اسباب.
مجاملة رقيقة للجماعات الاهلية
واذا كانت تصرفات الدولة تجاه الاسلاميين مدفوعة بمخاوف من اسلمة المجتمع الا ان انفتاحها على جماعات اخرى منعتها يثير الانتباه، ففي تقرير اخر لنفس الصحيفة اشارت فيه الى مجاملات الدولة لجماعات الحقوق المدنية. ولكن الدولة انتقائية في انفتاحها فهي وان وافقت على دعم جمعيات طوعية لمساعدة اصحاب الاحتياجات الخاصة الا انها ترفض قطعا فتح الباب امام جماعات تطالب بالحقوق السياسية.
وفي الوقت الذي تدعم فيه الجماعات الناشطة في مجال حقوق الانسان بالانفتاح ايا كان نوعه الا ان اخرين يرون فيه انفتاحا محسوبا على الجماعات التي لا تشكل خطرا على الدولة. وهو ما يعترف به ناشطون نقلت عنهم الصحيفة حيث قالت واحدة كردية ان هناك قضايا خارج نطاق عملها لا تريد الحديث عنها، فهي ناشطة في مجال مساعدة المقعدين. وتنقل عن باحث سوري في جامعة جورج ميسون قوله ان هناك اشارات عن زيادة الجمعيات الاهلية ولكن هناك حاجة لرفع القيود.
واضاف انه وان كانت التحركات تجاه الجمعيات تجميلية الا ان مجرد وجودها قد يكون محفزا للتغيير. ويظل التغيير في سورية والحديث عن جماعات العمل الاهلي مجرد عرض 'فاترينا' حسب اخرين خاصة ان الدولة تواصل اعتقال الاكراد والاسلاميين بشكل تعسفي ومعهم المحامون الذين يدافعون عنهم. وتشير الصحيفة لدور زوجة الرئيس اسماء الاسد في جهود الانفتاح المحدود على جماعات العمل المدني.
التعليقات