حسن عبدالله عباس

لم أسمع بعقوبة سحب الجنسية أو التهديد بسحبها ككثرة ترديدها الحاصلة في الأعوام الأخيرة! منذ أزمة التأبين تقريباً بدأت تتردد على مسامعنا دعوات سحب الجناسي وتكثر بالمقارنة عما قبل فأصبحت موضة وعادة مستحدثة على الناس والإعلام وبصورة لافتة لا يمكن التغافل عنها! أصبحت لافتة وتشد الانتباه ليس من باب النتيجة القانونية لجريمة ارتكبها المجرم، لا ولكن من زاوية التركيز عليها دائماً في الوقت الذي يغيب فيه الحديث عن العقوبات الأخرى. فما السبب؟
أظن المشكلة تكمن في فهمنا العميق لمعنى المواطنة. ما يريد أن يقوله المطالبون بسحب الجنسية عمن أساء للكويت وارتكب الجريمة كقصة ياسر الحبيب، أو سلمان أبو الغيث، أو غيرهما، أنها عقوبة نريد من ورائها حرمانهم من خيرات الكويت. تعلمون بأن العقوبة هي إيلام المرتكب للجريمة وإشعاره بالوجع بمقدار ما تسبب به من ضرر للمجتمع. فكلما كانت الجريمة أقسى وأكبر، كلما كانت العقوبة النازلة أشد وأكثر ألماً. فالنتيجة أن عقوبة من يسيء للكويت بنظر من يطالب بسحب الجنسية تقتضي بالضرورة عقاب المجرم بحرمانه من خيراتها ومميزاتها!
ألا تبدو الصورة غريبة بعض الشيء وتدق في أفق إدراكنا للمواطنة بناقوس غير صحيح؟ بصورة أخرى، سحب الجنسية لدى الكثير من مردديها تعني أن الكويت ليست سوى مجموعة من المميزات المالية والاقتصادية. الكويت في عيون أولئك القوم فقط آبار نفطية تدر المال الوفير وتوفر للمواطن خدمات تعليمية وصحية مجانية إلى جانب سكن واسع وحياة اقتصادية مرفهة، ومن يرتكب جريمة بحق البئر النفطية laquo;الكويتraquo; يلزم ذلك أن يُحرم من إيرادات البترول! هل اتضحت الصورة؟ فهي صورة مادية استهلاكية مصلحية ولا يرتبط المواطن بدولته بأكثر من الشكل القانوني ليس إلا!
الحقيقة أن المواطنة مفهوم أخلاقي وعُلقة سامية تربط الإنسان بوطنه. فالوطن هو الأرض والتاريخ والأهل والأقارب والجيران والعيش والمصير المشترك بين أبنائه بحيث يستشعر أحدهم بالحُرقة إن ما نزلت المصيبة في ثانيهم ويتبرع ثالثهم لنجدة رابعهم، وهكذا دواليك، فهي نظرة وقيمة أخلاقية انطلاقتها تبدأ من اقتناع العقل بأن عليه واجباً تجاه الوطن وتقديم الخير لأهله المواطنين. واجب أخلاقي بمعنى مد يد العون إن عزت نفسه وكبرت أو يقصرها على عدم الإضرار بالآخرين إن ما شحت وانكفأت!
أظن مشكلة عدم فهم المواطنين لحق الوطن عليهم يكمن في الصورة القانونية الجديدة المستحدثة على مفهوم الدولة، خصوصاً بعد الحروب العالمية. فالدولة الحديثة تختلف عن القديمة، فهي وريث جديد للدولة القومية والدينية القديمة. فلكي تُقبل ويكون لها كيان رسمي في المحافل الدولية، صار لزاماً على الدولة اليوم أن يكون لها دستور مدني يحفظ علاقاتها بالخارج ويحفظ لها العقد الاجتماعي فيما بين مؤسساتها الداخلية والمجتمع. فلهذا أصبحت المواطنة مرتبطة أكثر بالتعاملات التجارية والاقتصادية وبالأوراق والثبوتيات الرسمية والشكل القانوني، التي هي ومع الأسف تقرر ما إن كان المرء مواطناً أم لا، وعلى حساب الشكل العقلي والاخلاقي!
المحصلة أن المواطنة انتقلت من مفهوم أخلاقي ينبع من العقل في الداخل لينعكس على السلوك والممارسة في الخارج، إلى مفهوم قانوني جاف يُفرض على الإنسان من الخارج على هيئة قوانين وتشريعات تلزمه بسلوك ومفاهيم محددة سلفاً!