علي الطراح


قد لا يحب الكويتيون النقد لسياستهم، وعدم قبول النقد سمة عربية غائرة بثقافتنا. وما يعنينا هو درجة تعلمنا من الخبرات السابقة، وللأسف الشديد نحن شعوب لا تتعلم ولا تحب أن تتعلم لأننا نشعر بنرجسية عالية، تعمي عيوننا عن رؤية الواقع.

فجأة مشادة كلامية بين الجانبين الكويتي والعراقي رداً على تصريحات المندوب العراقي لدى جامعة الدول العربية، والذي نفى ما جاء على لسانه. الاحتقان بالنفوس يظهر في أي محاولة استفزازية يمارسها الجانبان. ما حدث للكويت في التسعينيات هو حماقة قادها نظام على رأسه صدام، فهو مثله مثل كثير من القيادات، التي لا تفكر في مستقبل شعوبها، ولكن الأزمة والفعل الأحمق يعممان على الشعوب وهي بريئة من فعل زعمائها.


بكل تأكيد العاطفة تقلب العقل، وهي ظاهرة إنسانية لا ننفيها، ولكن يبقى العقل هو الطريق للأمم الفعالة والحية، ومحنتنا هو غياب العقل ليس للعامة، وإنما بين الساسة والمثقفين في كلا الطرفين. ظهر نواب كويتيون يطالبون بقطع العلاقة الدبلوماسية مع العراق كردة فعل لتصريحات مندوبها في الجامعة العربية، بل وصلت قباحة السلوك إلى درجة نعت شعب العراق بصفات لا تليق بتراث وتاريخ هذا الشعب. وطبعاً هناك ما يقابل ذلك من تردٍ في الجانب العراقي، فالطرفان يمارسان لعبة اضطهاد العقل وتغييب الحقيقة.

الجانب الكويتي ينسى أحياناً بأن السياسة هي لعبة المصالح، ويخلط بين الصداقة والسياسة ويمضي في خيالة ليؤمن بأن حلفاء الأمس يبقون حلفاء إلى أبد الآبدين دون أن يراجع مسيرة التاريخ ليعرف أن لا صداقة في السياسة، وأن هذه القاعدة، التي يجب أن ينطلق منها الكويت. العراق دولة مجاورة، وعلينا أن نسعى للنهوض به وإخراجه من محنته وندفع بعجلة التنمية، فبقاء الحال على ما هو عليه ليس لصالحنا في الكويت.

حالة التربص هي السائدة بين الجانبين، وهي حالة مرضية نتمنى أن نخرج منها ونشفى. فليس من العقل أن تهاجم الصحافة الكويتية الشعب العراقي، لأن هناك الكثير منهم وهم الغالبية ممن يقفون مع العقل، ولا يريدون للمنطقة أن تشتعل، وهؤلاء يجب أن نتعاضد معهم، فكما هناك شروخ في الجانب الكويتي، فهناك هذيان عراقي، ولكنه ليس ناطقاً باسم كل العراقيين.

الوضع العراقي ضحية لعوامل داخلية هي نتاج لوضع تسلطي ساد لعقود طويلة، كما أنه ضحية لسياسات إقليمية تحاصر أي حالة نهوض عراقي حقيقي.

نحن نقترب من أغسطس حيث يحمل ذكرى أليمة ليس للكويت بقدر ما هي وصمة عار في تاريخنا العربي، ولا نملك سوى محاولة إعادة بناء ثقافة الأمة العربية، وهي مهمة ليست بسهلة، حيث الخيبات كثيرة وأرهقت شعوبنا، وجعلتها حائرة تبحث عن مخرج، لأنها ترفض أن تمارس نقد الذات. وعلى كل الأحوال علينا أن نرتقي بحوارنا مع أشقائنا في العراق، ونبتعد عن المهاترات، فالأسلم لنا جميعاً أن ندير خلافاتنا بالعقل ولا نؤجج العاطفة.