احمد عياش

انشغل العالم في الذكرى التاسعة لهجمات 11 ايلول 2001 بالردود على تهديد القس الاميركي تيري جونز باحراق مصاحف والضغوط التي مورست لإلغاء خطة لبناء مسجد قرب موقع الهجمات في نيويورك. لكن الحدث أعاد التذكير بفارق مهم جداً بين العالم الديموقراطي الذي له قواعده في مواجهة الازمات والعالم الديكتاتوري وملحقاته والذي له قواعد مختلفة في صورة جذرية. وتشاء الاقدار ان يمر لبنان بتجربة لا تزال مستمرة منذ خمسة اعوام، تجعله في مهب التوترات بسبب ترجحه بين وضع ديموقراطي يحاول لبنان أن يتشبه به ووضع فعلي يتراجع عن الديموقراطية الى أحوال العالم الثالث الذي تضيع فيه قيم القانون والعدالة والحقوق الانسانية.
لقد تمكن جونز مستفيداً من القانون في بلاده ان يضعها في مأزق خطير كان لا بد للمسؤولين هناك من البحث عن سبل ردعه بالقانون فقط، فيما لم يتمكن لبنان الذي ذهب الى خيار المحكمة الدولية طلباً للعدالة في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه في 14 شباط 2005 ان ينأى بنفسه عن محاولات لا تتوقف لالغاء المحكمة والقفز فوق القانون الذي اقترن بتوقيع دولي مع شراكة كاملة مع التشريعات الوطنية. النافذة القانونية فتحت فوراً في الولايات المتحدة الاميركية من أجل ايجاد وسائل القبض على جونز بالجرم المشهود. لكن في لبنان تمارس كل الضغوط من أجل اقفال النافذة التي فتحها القانون الدولي واللبناني.
كل المعلومات حول من دبر هجمات 11 ايلول الاميركي ونفذها تجمعت تباعاً واصبحت ملك الرأي العام في الولايات المتحدة والعالم.
وفي المقابل، كل الضغوط تمارس لاخفاء المعلومات حول من دبّر جريمة 14 شباط 2005 التي زلزلت لبنان وهزت المنطقة والعالم. فتحت عنوان ملف quot;شهود الزورquot; يجري رفع مستوى رجال مخابرات أحدهم يقيم هانئاً في دمشق الى مستوى ملف قضائي ضخم يحتوي على عدد هائل من المعطيات جرى الحديث عنها مراراً منذ انشاء المحكمة ومن قبلها أيام لجنة التحقيق الدولية.
ويعجب المرء كيف يبذل quot;حزب اللهquot; الجهد الكبير في الدفاع عن الضباط الاربعة الذين نالوا افراجاً حتى اشعار آخر وهم كانوا نواطير الأمن في زمن الجريمة وأحدهم قفز فوق القانون ليطمر حفرة الانفجار في السان جورج من دون أذن قانوني، في حين يمارس الحزب لعبة التشويق مع أدلة يقول انها في حوزته حول الجريمة فلا يضعها في تصرف القضاء اللبناني ولا في تصرف القضاء الدولي.
وفي وقت واحد ينبري حليف الحزب العماد ميشال عون ليشن حملة عنيفة على فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي الذي تمكن قضائيا من توقيف القيادي الأقرب لعون بتهمة العمالة لاسرائيل.
في بلاد القانون، يوقف فوراً من يعلن ان بحوزته معلومات ويكتمها في جريمة ما فكيف اذا كانت بحجم زلزال 14 شباط 2005، كما يوقف فوراً من له صلة بمتهم بالعمالة فكيف اذا كان يتمتع بكل هذا النفوذ الذي وفره له عون؟
لأن الكلام يدور حول لبنان، فإن 11 ايلول اللبناني الذي تمثل بشاحنة تحمل طنين من المتفجرات وضعت لبنان على مفترق خطير ما زال يبحث عمن دبّر ونفذ.
أللا قانون في بلاد العجائب التي هي بلادنا يجعل الزور فرصة للاجهاز على الصدق، والمتهاون في حماية الرعية مقداماً في تحصيل حقوقه والقاتل المتواري مشرفاً على تعليم الناس فضيلة السكوت عن المطالبة بالحقيقة؟
كم يبدو 11 ايلول الاميركي سهلاً مقارنة بـ14 شباط اللبناني حيث يتباهى اليوم وبلا وجل من يحرقون كتاب القانون الذي يتحدر من القرآن وسائر الكتب السماوية وشرائع العدالة منذ أيام حمورابي.