عبد الرحمن الراشد
الوحيد الذي مد عنقه معلنا رفضه الصريح لتسلح حزب الله هو سمير جعجع، زعيم القوات اللبنانية. أما البقية من قادة السنة والشيعة والمسيحيين، من سياسيين وحكوميين، فعبروا عن مساندتهم بصورة أو بأخرى لسلاح حزب الله.
تأييدهم لتسلح حزب الله في مثل هذه الأيام أمر بالغ الخطورة، لكنهم فعلوه خوفا أو نفاقا. أيدوا التسلح رغم أنه ضد اتفاق الطائف، وضد مبدأ سيادة الدولة، ورغم أنه جلب كل الخراب الذي ألحقه الإسرائيليون بطول لبنان وعرضه، ورغم أنه تسلح باسم المقاومة في وقت لم تعد هناك أرض لبنانية محتلة من قبل إسرائيل باستثناء مزارع شبعا التي لا يعرف بعد إن كانت سورية أو لبنانية، ورغم أن الجميع يعلم علم اليقين أنه سلاح إيراني قرار استخدامه في طهران.
الجديد هو أن تأييد سلاح حزب الله في هذه الأيام له تبعات أخطر من الثرثرة السياسية المألوفة، فهو يمنح المبرر لإسرائيل لتوسيع ضرباتها غدا، وسيلجم السياسيين اللبنانيين عن الاعتراض على حق حزب الله في اتخاذ أي فعل من شأنه جلب الحرب على لبنان، فلا يستطيعون أن يمنحوا بركتهم للحزب ويعطوا الشرعية لسلاحه ثم يحتجوا على أفعاله.
مسؤولو الدولة اللبنانية، رئاسة وحكومة، وسياسيوها، يعطون إسرائيل الذريعة غدا لارتكاب كارثة محتملة ضد الجيش اللبناني الذي عبر نهر الليطاني وأخذ مواقعه قبالة الإسرائيليين، ليكون كبش المحرقة. فإسرائيل تحاشت عن عمد ضرب الجيش اللبناني لأن الدولة تقول إنها ليست طرفا في الحرب، ولأنها تعلم أنه ليس مساندا للحزب. اليوم بسبب المباركة الجماعية لتسلح حزب الله، ووجود الجيش اللبناني على خط النار، فإن نحو 15 ألف عسكري لبناني في خطر بأسلحتهم البسيطة مقارنة بميليشيا حزب الله الأضخم عددا (نحو أربعين ألف مقاتل)، والمدججة بكل أنواع الصواريخ، وتملك شبكة خاصة بها للاتصالات.
ولو كانت الحرب محصورة بين حزب الله وإسرائيل ربما هانت المسألة لولا المخاطر التي يلحق بها السياسيون اللبنانيون بلادهم، مدنهم وقراهم ومواطنيهم، حقيقية من وراء تأييد حق حزب الله في التسلح. تصريحاتهم الأخيرة تعطي الحزب شرعية قرار الحرب، وتمنح الإسرائيليين ذريعة تدمير كل شيء لبناني!
والأمر المروع أنه لا يوجد واحد بينهم، عدا قادة حزب الله، فعلا صادق في تأييد تسلح حزب الله، لكنهم جميعا إما رهائن للخوف من قول laquo;لاraquo; للحزب، أو يسايرون المجاملات السياسية، مع أن سلاحه غير شرعي كونه خارج مؤسسة الدولة، وأكبر عددا وعديدا من جيشها، وسبق أن ورطها في حروب مدمرة، وسبق أن استخدم في حروب داخلية، بضرب أحياء السنة يوم هجم حزب الله على غرب بيروت، ودمر قرى درزية في الجبل!
الإسرائيليون لا يهمهم من يدفع الثمن في لبنان ما داموا يحققون نظرية تحجيم قدرات حزب الله، والتي تقوم على مبدأ ضرب سلاح الحزب كلما تجاوز حجمه رقما معينا. والإسرائيليون يعتقدون أنه إذا كان حزب الله لا يبالي بالنتائج عندما ينصب صواريخه ومدافعه، فإنهم بدورهم لا يبالون من يدفع الثمن، والذي يأكل الأذى السكان والاقتصاد. حزب الله يعتبر تسلحه وسلاحه ضرورة لوجوده كحزب وآيديولوجيا، ولمشروعه السياسي، وثمنا لعلاقته الخاصة مع نظام المرشد في إيران، على اعتبار أنه صار في إيران اليوم تيار واسع ضد تسليح حزب الله. مبررات حزب الله مفهومة لتسلحه، فما هي مبررات السياسيين اللبنانيين الآخرين حتى يقبلوا بها؟
التعليقات