خالص جلبي

كنت في المشفى حين نادتني زوجتي ظهرا وهي تقول أمر جلل وقع! قلت لها وماذا حدث؟ قالت ضربت أمريكا، وأنهارت الأبراج، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى!
أخذت الأمر أولا على محمل التهويل، ولكن تبين لي بكل أسف أن التاريخ يقف عند الأحداث الجسام فيقول لقد تغير جلدي فأبصر فسوف يبصرون؟
نعم لقد تغير العالم بعد الحادي عشر من سبتمبر ما يسمونه (ناين إلفن 9 \ 11) وتحولت المطارات إلى حفلات تعذيب في التفتيش، ولم يعد العالم كما كان من قبل، بل متوترا نزقا منرفزا مسلحا مراقبا راصدا، يعتقل على الشبهة ويقتل على الظنة، وتغص السجون بالمحابيس، ومقرات المخابرات بالتقارير السرية، ويغوص رجال الأمن في ظلمات عالم الديجتال لملاحقة إرهابي قد يكون إرهابيا وقد يكون مظنوناً أنه إرهابي، وتبرز مصطلحات جديدة للتعامل مع القوى الجديدة. ثم تدافعت الأحداث حبالى من رحم القدر واشتعلت بغداد نارا، وصعقت جبال تورا بورا بقاذفات القنابل (B 52) المخصصة للقصف النووي الاستراتيجي، وعندها قدرة تحليق من أقصى الأرض إلى أدنى الأرض.
وأعجب ما واجه العالم التناقض بين أمرين: كيف ولماذا؟
فأما كيف حدث ما حدث؟ ومن قام به؟ فقد أوغروا في التفصيلات من خلية هامبورج حتى تعلم الطيران والتظاهر بالفسق من أناس تحلوا بالتقوى أو هكذا زعموا!
أما الذي لم يسمح لأحد بمناقشته وهو أساس البلوى وسر المصيبة؛ فهو لماذا حدث ما حدث؟ ونكرر اليوم نفس السؤال فنقول لماذا حدث ما حدث؟
لقد استفدت من المفكر الجزائري مالك بن نبي فكرته عن تدافع الأسباب والنتائج وجدلية تفاعلها؛ فكل حدث هو نتيجة لما قبله، وكل حدث هو سبب لما سيأتي بعده، أي أن الحدث هو في حالة ديناميكية متحركة، في كتلة أحداث حبلى بالحدث والنتيجة والسبب في علاقات الزمن، ما بين الماضي والحاضر والمستقبل.
نموذج ذلك ولادة دولة بني صهيون في أرض الإسراء والمعراج؟
لقد كنا نبكي الأندلس والغصن الرطيب، فإذا الحملة الصليبية الثامنة تشن على قلب العالم العربي عام 1936 فتقطع شرق أوسطه عن امتداده في أفريقيا، ثم تلحقها الحملة الصليبية التاسعة على بغداد عام 2003.
لقد روى لي جودت سعيد حين ذهب إلى الأزهر للدراسة كيف حملته الحافلة من سوريا عبر فلسطين إلى مصر ولم تكن دولة بني صهيون قائمة، وكيف عاصر ولادة الحركات الإسلامية المعاصرة السياسية في مصر. ولكن ولادة دولة بني صهيون لم تكن لتحدث لولا أسباب سبقتها، كما أن نكبة حزيران 1967 لم تكن لتحدث لولا كيان بني صهيون الذي اشتد ساعده ونبت لحمه مثل زغب الطير وهاهي الآن تنين لاحم بأسنان نووية. ويل يومئذ للمكذبين؟
كذلك الحال مع أحداث سبتمبر..
اتصل بي أخ فاضل من اليمن يسألني عن جدوى المقاومة المدنية في فلسطين؟ حين يقتل للإنسان أحب الناس وأقربهم ماذا يفعل؟ وكان جوابي أن مفاهيم السلام هي لوغارتيم جديد لهندسة فراغية عقلية مختلفة. وما يحدث من عمليات تفجيرية وقتل وقتل مضاد هو نتيجة طبيعية للأفكار السائدة في المنطقة والمشاعر المحتقنة.
وما أريد أن أصل إليه أن نفس أحداث سبتمبر ونحن ندخل السنة العاشرة بعدها تبقى معلما مخيفا لنصب رعب لا يزول.. إن العالم الآن يحتقن رعبا وخوفا وشرا ورصدا.
وفي القرآن جاء: وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا... وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض، أم أراد بهم ربهم رشدا.