محمد خضر عريف


إن من يقرأ بتمعن استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة التي أُعلن عنها في 27/5/2010م، يدرك حقاً أن ذريعة 11 سبتمبر وما جرته من ويلات على العالم كله وعلى العالم الإسلامي خصوصا قد أصبحت في ذمة التأريخ. فقد أعلن البيت الأبيض أن استراتيجية الأمن القومي الجديدة تقوم على أساس (أن الولايات المتحدة لا تعتبر نفسها في حرب مع الإسلام). ومفهوم هذا الإعلان أن الاستراتيجية القديمة كانت تعتبِر الولايات المتحدة في حرب مع الإسلام. وكما ذكر كثير من المحللين، تبتعد أمريكا كثيراً بهذا الفهم عن سياسة إدارة الرئيس السابق بوش التي قامت على تبرير الحرب الاستباقية واستعداء العالم الإسلامي بشكل خاص. وقد عنى كبار مسؤولي الحكومة الأمريكية أن يوضحوا سياسة الرئيس الأمريكي الحالي أوباما في هذا الخصوص، وأن يبينوا أن أمريكا لا تزال في حالة حرب مع (القاعدة) ليس إلا. وهو عين ما قاله جون برينان كبير مستشاري الرئيس أوباما لشؤون الإرهاب، في كلمته التي ألقاها في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن وهو يشرح الوثيقة الخاصة باستراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة فقد قال: laquo;إن استراتيجية الرئيس لا لبس فيها فيما يتعلق بموقفنا.. الولايات المتحدة في حرب ضد القاعدة وروافدها الإرهابيةraquo;. وهذه العبارات كما يرى المراقبون تختلف كثيرا جدا عن العبارات التي كانت تسمع في عهد بوش مثل (الحرب على الإرهاب) و(الفاشية الإسلامية) التي كانت تفسر دون لبس أو غموض على أنها حرب على الإسلام. وينسجم الموقف الأمريكي الجديد مع التوجه الغربي عموما بهذا الشأن فقد دعت المستشارة الألمانية (أنجيلا ميركل) أوروبا إلى المزيد من الاستكشاف والفهم للحضارة الإسلامية. ومن كلماتها اللافتة في هذا الشأن قولها (إننا ننسى في أوروبا كم عدد القرون التي سبقتنا خلالها المنطقة العربية في العلم والثقافة) وهي بالطبع تشير إلى العصور الوسطى في أوروبا: عصور الظلام التي تصل إلى ألف عام كانت عصور التقدم والازدهار والعلم لدى المسلمين. ومما لاشك فيه أن زيارة ميركل للمملكة العربية السعودية ولقاءها مع المليك المفدى كان لها الأثر الكبير في توطيد العلاقة بين ألمانيا والعالمين العربي والإسلامي وبالعودة إلى استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديدة نجد أن من أهم بنودها إعادة النظر بشكل كامل مع المنظمات الخيرية والإنسانية والإغاثية الإسلامية بعد أن وُجهت إليها تهم ظالمة بدعم الإرهاب في حقبة 11 سبتمبر إن جاز لنا هذا التعبير. فقد استغلت الصحف الأمريكية والأوروبية أحداث التفجيرات التي دمرت برجي مركز التجارة العالمي في نيويورك، للنيل من هيئات ومؤسسات العمل الخيري في العالم الإسلامي دون وجه حق، وتحدثت بعض تلك الصحف وبعض الأقلام المأجورة عن علاقة مزعومة لتلك المنظمات بدعم الإرهاب دون الاستناد إلى أي دلائل أو براهين. وأقدمت وسائل إعلامية غربية عدة ما بين مقروءة ومسموعة ومرئية على نشر وبث كل ما يصلها حول تلك الاتهامات الباطلة دون مجرد التفكير في التثبت من صحتها، كما درجت وسائل الإعلام تلك على تمديد قوائم بالدول والجمعيات الخيرية التي يشتبه في علاقتها بدعم الإرهاب - كما تدعي - وظهر تخبط واضح في أسماء المنظمات المدرجة وظهرت أخطاء واضحة فاضحة في أسماء المنظمات وأسماء الأفراد. وقد أدركت إدارة الرئيس أوباما كل هذه الحقائق، كما أدركت أن تقليل موارد هذه المنظمات ومن ثم نضوبها سيترتب عليه بالضرورة زيادة الظروف البائسة التي تعيشها الغالبية العظمى من المسلمين في شتى أنحاء العالم الإسلامي وفي مقدمها: الفقر والجهل والمرض، وتتفهم الحكومة الأمريكية الجديدة ولاشك أن تفاقم هذه الظروف في العالم الإسلامي سيؤدي بالضرورة إلى زيادة وطأة الإرهاب لا إلى التقليل منه، كما أثبتت تجربة السنوات العجاف الماضية في عهد بوش البائد. وتدرك الحكومة الأمريكية الحالية أن المنظمات الخيرية الإسلامية تسهم إلى حد كبير في الحد من الإرهاب بكل أشكاله؛ لأنها تنشر الوعي والتعليم والإدراك بين المسلمين، كما تسد رمقهم، وتعمل على استقرار أحوالهم المعيشية بكل مقوماتها، وبذلك لا يصبحون فريسة سهلة لأي توجهات غالية أو متطرفة كما كان يحصل في عهد بوش البائد. إن هذه الاستراتيجية الأمريكية الجديدة ستعين الجمعيات والمنظمات الخيرية الإسلامية على معاودة دورها في إغاثة اللهفان وكفالة الأيتام وإعفاف الأرامل والإنفاق على المساكين وإشاعة التعليم والتدريب المهني بين فئات المحرومين في العالم الإسلامي خاصة وفي العالم كله عامة، كما كانت تفعل قبل ما يسمى 11 سبتمبر.