خليل علي حيدر


كم عدد أعضاء quot;حزب التحريرquot; الإسلامي، داخل المملكة المتحدة؟ quot;من الصعب تقدير ذلكquot;، أجاب عضو الحزب السابق، البريطاني من أصل بنجلاديشي quot;إدْ حسينquot;، وأضاف: quot;لا أعتقد أن العدد يتجاوز 300 أو 400 عضوquot;، لكن هذه هي الدائرة الأساسية من الأعضاء، بخلاف ما يتمتعون به من عدد كبير من المؤيدين الذين قد تصل أعدادهم إلى ثلاثة آلاف أو ربما أربعة آلافquot;.

quot;حزب التحرير في بريطانيا منقسمquot;، يقول العضو المنشق، quot;فريد قاسمquot;: كان معلمي الأول داخل حزب التحرير، وهو مهندس معماري عراقي. ومنذ ذلك الحين ترك المنظمة وأصبح أكثر راديكالية وانضم إلى منظمة أخرى. هنالك فرعان لحزب التحرير في بريطانيا، والفرع الرئيسي له هو ذو الطابع الخميني الذي نعرفه جميعاً، أما الثاني فقد انشق عن المنظمة الأساسية، وقد انضم قاسم لهذا الجناحquot;.


ما أكثر السبل شيوعاً في تجنيد الأفراد لحزب التحرير؟ quot;يجري الربط بين التجنيد وأحداث دولية أو مثيرة للعاطفة، في حالتي، كان هذا الحدث هو ما جرى في البوسنة. وقد جندوا أفراداً اعتماداً على قضايا العراق والصراع العربي- الإسرائيلي، وجميع الصراعات العالمية الكبرى المثيرة للعواطف التي لم نكن نملك لها حلاً. لكن حزب quot;التحريرquot; طرح حلاً خاصاً به، ومن خلال ذلك اجتذبنا لفكرة الخلافة والجهاد على طريقتهquot;.
وعن تزايد الأشخاص البيض من الأوروبيين في الحزب، قال إن الحزب يقدم الإسلام كأيديولوجية بديلة لـquot;الرأسمالية الخاطئة المفلسة الإباحيةquot;.. ما هو البديل؟ إنه النظام الإسلامي، وللأسف من السهل عليهم تجنيد صبية في الـ18 أو 19 من أعمارهم داخل الجامعات وجذبهم إلى نمط الإسلام الذي يعتنقه حزب التحريرquot;.

ولا يعرف حزب quot;التحريرquot; بالجزم في تحليلاته السياسية بدور الإنجليز والأميركان في كل حدث عربي وعالمي، ومحاولة اجتذاب الناس في البلدان العربية والإسلامية وربما كل مكان من خلال هذا الطرح، بل عُرفوا كذلك بدعوتهم إلى تطبيق الإسلام كاملاً دفعة واحدة، وتحريم التدرج في تطبيق أحكامه! وقد انقطعت حجج المؤجلين بعد أن نزلت آية (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي). ولهذا يقول النبهاني في أحد كتبه الأساسية: quot;أصبح المسلمون بعد نزول هذه الآية الكريمة مطالبين كلية بتنفيذ وتطبيق جميع أحكام الإسلام كاملة، سواء كانت تتعلق بالعقائد، أو العبادات، أو الأخلاق، أو المعاملات، وسواء أكانت هذه المعاملات بين المسلمين بعضهم مع بعض، أم بينهم وبين الحاكم الذي يحكمهم، أم بينهم وبين الشعوب والأمم والدول الأخرى، وسواء كانت هذه الأحكام تتعلق بناحية الحكم أو الاقتصاد، أو الاجتماع، أو السياسة الخارجية في حالة السلم أو في حالة الحرب.. والتطبيق يجب أن يكون كاملاً وشاملاً، ودفعة واحدة، وليس بالتدريج، وقد جعل الله الحاكم الذي لا يطبق جميع أحكام الإسلام أو يطبق بعضها ويترك بعضها الآخر كافراً إن كان لا يعتقد بصلاحية الإسلامquot;.

ويقول النبهاني في شرحه شكل الحكم في الإسلام إن الإسلام quot;ليس نظاماً ملكياً، ولا يقر النظام الملكي، ولا يشبه النظام الملكيquot;. من ناحية أخرى، يؤكد أن هذا النظام كذلك ليس جمهورياً، إذ quot;يقوم نظام الحكم الإسلامي في أساسه على العقيدة الإسلامية، وعلى الأحكام الشرعية، والسيادة فيه للشرع لا للأمة، كما لا تملك الأمة فيه حق عزل الخليفةquot;. ويقول إن نظام الخلافة ليس فيه وزراء ولا مجلس وزراء بالمعنى الديمقراطي لهم اختصاصات وصلاحيات، وإنما فيه معاونون يستعين بهم الخليفة. ولا مكان في دولة حزب التحرير لفصل السلطات وتقييد سلطان الخليفة. فـquot;الخليفة هو الدولة، فهو يملك جميع الصلاحيات التي تكون للدولة. هو الذي يعين ويعزل القضاة وقواد الجيش وهو الذي يقر فصول الميزانيةquot;.

وفي الدولة شخص يعينه الخليفة لتولي الشؤون الخارجية والحربية والأمن الداخلي والصناعة ويدعى quot;أمير الجهادquot;.

ونظام quot;حزب التحريرquot; نظام عسكري مسلح من الرأس حتى القدمين، فالجهاد بحاجة دائمة إلى السلاح. ولا يدرس النبهاني وحزبه تكلفة بناء مؤسسة عسكرية وجيوش جبارة من هذا القبيل، ولا تأثير الإنتاج الحربي على الإنتاج المدني، ولا مصاريف الجامعات ومراكز البحوث والكادر البشري والفنيين، ولا الضغط الدولي على دولة عقائدية مسلحة ذرية توسعية كهذه، بل يمضي قائلاً: quot;الدولة الإسلامية في حالة جهاد دائم، والأمة الإسلامية تدرك أن الحرب بينها وبين غيرها من الشعوب والأمم محتملة في كل وقت، لذلك يجب أن تكون جميع منشآتها الحربية، صناعية كانت أم عسكرية، في مستوى يفوق منشآت الأمم الأخرىquot;.

ويؤكد النبهاني أن واجب الدولة الإسلامية حمل الدعوة إلى العالم أجمع، quot;فهي مسؤولة عن الدنيا بأجمعها. لذلك ستبقى في جهاد دائم، ولذلك يجب أن تكون الدولة والأمة في حالة استعداد دائم، وأن تعيش عيشة حربquot;. وهذا يتطلب quot;أن تكون كلياتها العلمية من الكثرة بمكان، وفي أعلى مستوى، حتي تُخرِّج مئات الآلاف من المهندسين، والمخترعين، والفنيين، والتكنولوجيين. وهذا يقتضي منها أن تعيش اقتصاد حرب، وأن تكون في وضع مالي متصاعد، حتى تستطيع أن توفر الأموال الطائلة، التي تقتضيها الصناعة الحربية للأسلحة الدائمة التطور، لدولة تريد أن تكون الدولة الأولى في العالم أجمعquot;.

وضع النبهاني فكرة quot;طلب النصرةquot; كأداة أساسية للوصول إلى الحكم، والمقصود بطلب النصرة، يقول الأستاذ نافع، هو طلب العون من القوة الأكثر قدرة في الدولة الحديثة، وهي المؤسسة العسكرية. بمعنى أن النبهاني تصور أن بالإمكان تجنيد مجموعة من الضباط تعمل على إيصال الحزب للحكم عن طريق الانقلاب العسكري. وبمجرد الوصول للحكم يقوم الحزب بتطبيق التصور الإسلامي للدولة دفعة واحدة.

وفي انتخابات أكتوبر 1954 رشح أربعة من أعضاء الحزب أنفسهم في الأردن لم ينجح منهم سوى الشيخ أحمد الداعور، الذي تلقى دعماً شخصياً من فرع الأخوان المسلمين في quot;قلقيليةquot;.

بيد أن التراجع في وضع الحزب الجماهيري لم يمنعه من محاولة الاستيلاء على السلطة في الأردن، وقد جاءت المحاولة الأولى في 1968، بعد سنة واحدة من الهزيمة العربية المؤلمة في حرب يونيو. وبالرغم من اكتشاف الحكم الأردني مخطط الانقلاب وإجهاضه، فقد كرر الحزب المحاولة في 1969، ثم حاول الانقلاب مرة أخرى بعد الصدامات الدامية بين الفدائيين الفلسطينيين والحكم الأردني في 1970-1971 المعروفة بأيلول الأسود.

وفي عام 1977 توفي النبهاني في لبنان وتولى قيادة الحزب بعده صديقه وعضو الحزب المخضرم quot;عبدالقديم زلومquot;، وقد أرسل الحزب وفداً عام 1978 إلى ليبيا لمناقشة العقيد القذافي في آرائه حول السُّنة النبوية، ولدعوته إلى اعتناق فكرة الحزب وإعلان ليبيا مرتكزاً للخلافة الإسلامية. لكن الوفد لم ينجح في مهمته، وعادت الحكومة الليبية لمطاردة أعضاء الحزب القليلين وأنصاره! وبعد أحداث الثورة الإسلامية في إيران أرسل الحزب وفداً لمقابلة الخميني في باريس ثم في طهران، لمناقشة إسلامية دستور الجمهورية الوليدة. وما أن أدرك الحزب أن القيادة الإيرانية لا تحمل دعوته لإقامة الخلافة الإسلامية محمل الجد، حتى شن هجوماً على النظام الإيراني الجديد، متهماً إياه بالطائفية والارتباط بالقوى الدولية. وفي منتصف التسعينيات اعتقدت قيادة حزب quot;التحريرquot; أن صدام قد يكون صادقاً في توجهه الإسلامي، فأرسلت إليه وفداً يدعوه إلى أفكار الحزب، وإلى تحويل العراق إلى قاعدة للخلافة الإسلامية، ولكن وكما في المحاولات السابقة، يقول نافع، quot;لم يأت الاتصال بصدام حسين بنتيجة تذكرquot;. ولم يكن موقف الحزب قد اختلف عام 1990 عن مواقف بقية الأحزاب الإسلامية حيث quot;أدان التحرك الأميركي الذي يهدف إلى ضرب العراق عسكرياً وفرض الهيمنة الأميركية على منطقة الجزيرة والخليج العربي... ولم يتضمن البيان أي إدانة للاحتلال العراقيquot;.