القاهرة ndash; أمينة خيري

لم يستغرق الأمر أكثر من ساعات معدودة ليصل عدد أعضاء نادي laquo;أنا مصري أنا ضد الإرهابraquo; على laquo;فيس بوكraquo; إلى 21 ألفاً. ماري ومصطفى وأحمد ومينا وفاطمة وآلاف آخرون من الشابات والشبان أعلنوا تضامنهم مع مصر القبطية-المسلمة. هي صفحة ضمن عشرات الصفحات على laquo;فيس بوكraquo;، ورسالة ضمن آلاف الرسائل على laquo;تويترraquo;، ومضمون ضمن آلاف المضامين في رسائل قصيرة على أجهزة المحمول أو عبر البريد الإلكتروني.

جريمة الإسكندرية النكراء سلطت الضوء على صوت العقل والتحضر الذي يظن البعض أنه صار مفتقداً بين شباب مصر. فالساعات الأولى التي تلت انفجار كنيسة القديسين في الإسكندرية شهدت سلسلة من المبادرات الفردية التي تحولت إلى جماعية هدفها إنقاذ الموقف المتأجج عقب الجريمة.

عنصر السرعة الذي لا يقوى عليه سوى الشباب كان بالغ الأهمية. laquo;السرعة في مثل هذه الأحوال تعد بمثابة الضامن لصدقية رد الفعل وبعده عن الرياء والمداهنةraquo;، يقول احد الشباب المعنيين بالمبادرات.

مصطفى (24 عاماً) أرسل رسالة تعزية إلى صديقه جورج عبر laquo;فيس بوكraquo; صبيحة الحادث يخبره فيها بأن قلبه وعقله معه وأن قتلى الجريمة شهداء. محمد أرسل رسالة قصيرة عبر الهاتف المحمول إلى زميلة العمل جورجيت يواسيها فيها: laquo;قلوبنا معاً فمصابكم هو مصابنا، وشهداؤكم شهداؤناraquo;.

وعلى رغم احتقان الأجواء والغضب الكبير لمسيحيي مصر وخروج الآلاف من الشاب القبطي في تظاهرات غاضبة تخللت بعضها هتافات معادية للمسلمين، كان الانتماء الوطني السمة الأغلب في التظاهرات التي جمعت laquo;شريكي الوطنraquo;. وقف أحمد (23 عاماً) أحد المشتركين في تظاهرة تندد بالإرهاب الذي يستهدف كل المصريين يقول: laquo;دعونا نتوقف عن اللجوء إلى اللغة المستفزة في أحاديثنا وأبرزها الإصرار على الحديث عن الأقلية القبطية والغالبية المسلمة. نحن شركاء في وطن واحد أكبر منا جميعاًraquo;. كلمات احمد يوافق عليها تماماً الشاب الذي وقف إلى جواره رافعاً الصليب جنباً إلى جنب مع القرآن.

يقول: laquo;أوافقه تماماً، ولكن على الجميع أن يقدر غضبنا مما حدث، لا سيما أن الانفجار استهدف كنيسة وقت الصلاة. لكن علينا أن نبدأ كذلك على الفور في فتح حوار وطني، وليس بالضرورة رسمياً، عن مشكلاتنا نحن الأقباط في الوطن، وذلك لبدء الحلول الفورية. والجو حلياً مهيأ تماماً لذلك، وهو ما سيثبت حسن النياتraquo;.

وعلى رغم أن النيات الحسنة لا تكفي وحدها لحل المشكلات المزمنة، فإنها تبقى نقطة البداية المنطقية والمطلوبة. محمد عبدالعزيز (29 عاماً) مدرس اللغة العربية في مدرسة ثانوية، قرر أن يساهم بطريقته الخاصة في إثبات حسن النيات.

فمنذ وقوع جريمة الإسكندرية وهو يخصص جانباً من حصصه مع طلابه وطالباته للحديث عمّا جرى، وعن رؤيتهم للعلاقة بين المسملين والمسيحيين في مصر ونقاط الضعف والقوة. يقول: laquo;تحدثوا معي بكل صراحة عن بعض المشكلات التي تواجه تلك العلاقة، ومعتقدات بعضهم عن بعضهم الآخر. ووصل النقاش أحياناً إلى الاحتدام، لكن حين سألتهم إن كانوا يودون أن تتحول مصر إلى عراق آخر، وجموا جميعاً، وعاد الهـدوء والتـفكير المائل الى المنطق مجدداًraquo;.

التفكير المنــطقي والوطــني يغــلب هذه الأيام على النشاطات العنــكبوتية للشباب المصريين والتي يمكن اعتــبارها نقطة انطلاق بالغة الإيجابية. إحدى هذه النقــاط دعوة الشباب المسلم إلى حضور قداس عيد الميلاد في الكنائس مع الأقباط ليلة السابع من كــانون الثــاني (يناير)، وهي الدعوة التي تحولت إلى مطالبة بأن يقف الشباب المسلم حول الكنائس دروعاً بشرية.

لكن يبدو أن مصر كلها في حاجة إلى دروع بشرية من الشباب المصري المسلم والمسيحي القادر على صد هجمات الفتنة وزرع الأحقاد. ماريان (25 عاماً) تؤكد أنها تعرف جيداً أن كثيرين من المسلمين لا يكنون إلا الحب والود للمسيحيين، laquo;لكن للأسف فتح الباب على مصراعيه أمام بذور التطرف والأفكار الهدامة لتنتشر في المجتمع المصري منذ سنوات كثيرة، وهو ما نلاحظه في بعض المدارس حيث يتم تغذية الصغار من جانب المعلمين أنفسهم بمشاعر الكراهية وعدم تقبل كل من ينتمي الى دين آخر، وهناك من الصغار أيضاً من يجد مثل هذه الأجواء كذلك في البيت وهو ما يؤدي إلى تنشئة شخص متطرف غير متقبل لكل من يختلف عنه في العقيدة. وعلى رغم مشاعر الحزن والألم على من ماتوا، أتمنى أن يستثمر ما حدث في أن نعود إلى وعينا المصري المتسامحraquo;.

هذا الوعي المتسامح الذي بدا جلياً من خلال الانتشار السريع لـ laquo;أنا مصري أنا ضد الإرهابraquo; سواء افتراضياً على صفحات الإنترنت المختلفة، أم من خلال الرسائل القصيرة على أجهزة المحمول، أم واقعياً على لافتات ضخمة عرفت طريقها إلى بوابات الجامعات وأروقتها، لن يؤتي ثماره إلا إذا بقي متأججاً، ليس من خلال المزيد من الإرهاب، ولكن من خلال المزيد من التقبل والتحضر وتطبيق روح الأديان المتسامحة فعلياً وليس مظهرياً.