جلال عامر

في عام 1956 انفصل السودان عن مصر وفي عام 2011 بدأ انفصال جنوب السودان عن شماله، والسبب هو محاولة تطبيق الشريعة على المختلفين دينياً، إضافة إلى أسباب أخرى فقد نجح laquo;حسن الترابيraquo; في السودان فيما فشل فيه laquo;حسن البناraquo; في مصر فأكبر خطأ يقع فيه الإنسان هو محاولة خلط الدين المطلق الطاهر الذي لا يتغير بالسياسي النسبي الرديء المتغير، فالدين هو الأخلاق والسياسة ليست كذلك وزمان في أربعينيات القرن الماضي هاجم البوليس عوامة عند إمبابة بالقاهرة فوجد رجلاً وامرأة عاريين.. الرجل هو السيد وزير الأوقاف المعروف بتشدده في مسائل الأخلاق laquo;إسماعيل صدقيraquo; والمرأة هي ابنة laquo;يحيى إبراهيمraquo; رئيس الوزراء فيما بعد ثم انتحرت المرأة وسار laquo;إسماعيل صدقيraquo; في جنازتها، وهدد إذا عزلوه أن يفضح علاقة زميله وزير العدل laquo;عبدالخالق ثروتraquo; بسيدة مجتمع متزوجة، ومع ذلك عزلوه وأتوا بإبراهيم فتحي وزيراً للأوقاف، وقال سعد زغلول يومها: (إنهم جاؤوا ليكحلوها فأعموها، فقد عزلوا رجلا يتهتك في النساء وأتوا بآخر يتهتك في الأولاد!!)..
وعندما قبضوا على الممثل أحمد سالم منافس الملك فاروق على حب النساء في قضية فساد زارت زوجته أمينة البارودي رئيس الوزراء أحمد ماهر في بيته ليفرج عنه، وقد سألها أستاذنا الصحافي الكبير محمد التابعي ببجاحة: (وبعدين؟).. فقالت: (ولا قبلين.. أخذ أحمد ماهر مني ما يريده وأخذ أحمد سالم ما يريده وكنت أنا الضحية)..
طول عمر هذه المنطقة تختلط فيها السلطة بالثروة بالجنس، وقد ألمحت كونداليزا رايس أن وزير خارجية دولة إسلامية حاول التحرش بها.. بل إن سلفها الأشهر وزير الخارجية هنري كيسنجر قال: إن (مسؤولي هذه المنطقة سوف يعلمونني الشذوذ.. ما كل هذه القبلات والأحضان كلما رأوني).. فلا تصدق السياسيين إذا تحدثوا عن الطهارة فربما يقصدون طهارة الأولاد. وقد انفجر تشرشل بالضحك عندما قرأ على أحد المقابر (هنا يرقد السياسي الشريف) وتساءل كيف تجتمع السياسة مع الشرف فتحت مخدة كل سياسي كتاب laquo;ميكافيلليraquo;..
وحب السياسيين للوطن أقل من حب رجال الأعمال للفنانات وشريط الحكايات أطول من خط الصعيد، وقد تم ترحيل أكثر من فنانة من مصر لارتباطها بشخصيات مهمة.. والحجب ليس علاجاً لمشكلات طهارة الحكم فالناس قادرة على اختراع الحكايات.. فلماذا نعالج مشكلاتنا المرتبطة بالجنس بمقص الختان ومقص الرقيب ومقص ترزي القوانين.. وهذه هي آخرة السهر والمشي البطال، فنتيجة لدوران الأرض بدأ الناس في شارعنا يخوضون في سيرتها وعندما تتعامد أشعة الشمس على معسكرات الأمن المركزي تهل الأعياد.. لا تلوثوا الدين ببحر السياسة.. ومساحة جنوب السودان الذي سوف ينفصل أكبر من مساحة فرنسا وألمانيا مجتمعين، وسوف يتم خصمها من مساحة العالم العربي لكن لا يهم فمساحة العالم العربي أكبر من مساحة laquo;التخلفraquo;.. فبعد أن كنا نتحدث عن مشروعات الوحدة أصبحنا نتحدث عن مشروعات التقسيم وتواضعت أمانينا من laquo;الوحدة العربيةraquo; التي تعالج المشكلات إلى laquo;الوحدة الصحيةraquo; التي تعالج المرضى ولن ينصلح حالنا إلا إذا عرفنا أن الدين لله والوطن للجميع.