محمد محمود بشار


هل يتجه العالم العربي إلى التضاؤل والانهيار، أم أنه ينحو باتجاه إعادة صياغة وتشكيل حجمه وحدوده الحقيقية؟
الاستفتاء الجاري على مصير جنوب السودان، هو الحدث الأكثر خطورة ميدانيا على وحدة الأراضي العربية من وجهة نظر القوميين العرب، وهو بالوقت نفسه الخيار الأنسب الذي انتظره بفارغ الصبر أهالي الجنوب السوداني بعد حروب دموية طاحنة، أُغرقت فيها المنطقة بالدماء لعدة سنين متتالية.
إن الخوف من التقسيم والتجزئة والانفصال، كان وما زال الهاجس الدائم للفكر القومي العربي الذي تبنته أغلبية الأنظمة الحاكمة في البلدان العربية والأكثرية الساحقة من مثقفي وعامة الشعب العربي الصديق.
ورغم الديمومة التي اتسم بها هذا الخوف، فإن أغلب البلدان العربية لم تعش يوما واحدا حالة الوحدة القومية التي كانت وما زالت تطرحها الأنظمة الحاكمة من خلال شعارات براقة، حفظها عن ظهر قلب كل من ولد وعاش في أي بلد عربي.
وكلما زادت درجة الخوف، ازداد معه القمع الممارس من قبل السلطات الحاكمة بحق المواطنين بشكل عام والشعوب غير العربية بشكل خاص.
تتواجد في كافة الدول ذات الأغلبية العربية، شعوب وقوميات مختلفة. ولكن في بعض الدول مثل العراق، وسوريا، والسودان، ومصر، والجزائر، والمغرب هناك وجود بين وواضح لشعوب غير عربية، لها تاريخها ولغتها ومناطقها الجغرافية الخاصة بها.
ونتيجة لحالة القمع والحرمان المستفحلة في تلك الدول، فإن حركات التحرر القومية غير العربية انتهجت أسلوب الكفاح المسلح كوسيلة لحماية المختلف قوميا، من حروب وهجمات وسياسات الإبادة العرقية التي انتهجتها الأنظمة الحاكمة وبشكل خاص في السودان والعراق، مما أفضى إلى نشوء أقاليم لها سلطتها السياسية والعسكرية والاقتصادية الخاصة بها.
وها هو السودان اليوم قاب قوسين أو أدنى من الانفصال، فمن هو المسؤول يا ترى؟ هل هم أهالي الجنوب وقيادة حركته التحررية، أم هو عمر حسن البشير رئيس جمهورية السودان الذي ضرب بعصاه المميتة شمالا وجنوبا، فأباد الآلاف في الجنوب، وأرعب من في الشمال؟
وفي العراق، دائما كانت تهمة الانفصال والتمرد ترافق اسم الكردي أينما وجد، وكان خوف القوميين العرب كبيرا من تعاظم قوة الكرد وتثبيتهم لخصوصيتهم القومية. لكن بعد إعلان حكومة إقليم كردستان العراق في بداية العقد التاسع من القرن المنصرم، وتعاقب الأحداث فيما بعد، وسقوط نظام صدام حسين، تم تشكيل حكومة عراقية تعبر عن حقيقة مكونات الشعب العراقي.
وفي الفترة الأخيرة عندما تأزمت الأمور وبقي العراق لمدة ثمانية أشهر من دون حكومة، بادر الكرد إلى العمل على لم شمل الأطراف السياسية العراقية المختلفة فيما بينها، من خلال المبادرة الأخيرة لرئيس إقليم كردستان العراق السيد مسعود البارزاني، والتي يجمع المراقبون على أنها أنقذت العراق من حالة التشرذم السياسي.
ولم يعمل الشعب الكردي على استغلال الفراغ السياسي الحاصل في العراق، حيث انعدام الحكومة وانشغال الأطراف السياسية العراقية بخلافاتها ومسألة توزيع المناصب الوزارية، وذلك في الوقت الذي يمتلك فيه إقليم كردستان، حكومة ورئاسة منتخبة، بنية اقتصادية قوية وقوات مسلحة نظامية ومدربة. بالإضافة إلى وجود حالة سياسية شبه صحية مقارنة مع دول الجوار حيث المعارضة الكردية بقيادة حركة التغيير التي تسيطر على ربع مقاعد البرلمان الكردستاني.
مما لا شك فيه أن الحالة الكردية في العراق قد ضربت أخماس الفكر القومي العربي بأسداسه. حيث بادر من كان يعرف بالانفصالي المتمرد بالأمس، إلى لم شمل العراقيين كافة في يومنا الراهن. فهل سيبقى هذا الخوف من المختلف قوميا بالنسبة لأصحاب الفكر القومي العربي، أم أنه سيبقى قائما ولكن بدرجة أقل وشك أكبر؟
وماذا لو اختار جنوب السودان طريق الاستقلال، هل سيزداد القمع الممارس بحق الشعوب غير العربية في العالم العربي، أم أن الأنظمة العربية الحاكمة ستلجأ إلى خيارات أكثر عقلانية لدرء laquo;خطر الانفصالraquo; والاستفادة قدر الإمكان من التنوع الثقافي والحضاري القائم، نتيجة اختلاط العرب بغيرهم من الشعوب في بلدان تحكمها أنظمة عربية؟!