محمد السعيد ادريس

في جولتها الخليجية الأولى هذا العام حرصت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون على أن تعطي ل ldquo;العراق الجديدrdquo; أهمية مركزية في زيارتها هذه، وهي الثانية للخليج في أقل من شهرين حيث شاركت في مؤتمر ldquo;حوار المنامةrdquo; الذي عقد في الأسبوع الأول من ديسمبر/كانون الأول الماضي، وهناك كانت لها صولات وجولات حول الأمن الإقليمي الخليجي والخطر الإيراني في المؤتمر الذي شارك فيه كل من أحمد داوود أوغلو وزير خارجية تركيا ومنوشهر متكي وزير خارجية إيران قبيل أيام قليلة من إقالته .

إيران والعراق كانا معاً محور اهتمام الوزيرة الأمريكية في جولتها الأخيرة، ولا عجب أن يكون الأمن الإقليمي الخليجي هو الرابط بين جولة كلينتون وتركيز اهتمامها على بحث قضيتي إيران والعراق . وإذا كانت كلينتون قد أبدت انزعاجها من التصريحات الأخيرة لرئيس الاستخبارات ldquo;الإسرائيليةrdquo; (موساد) مائير داغان التي تحدث فيها عن ldquo;تراجع الخطر النووي الإيرانيrdquo; بعد تراجع فرص إيران في امتلاك سلاح نووي إلى ما بعد عام ،2015 ملمحاً إلى دور ldquo;إسرائيليrdquo; مهم بهذا الخصوص خشية أن تؤدي هذه التصريحات إلى استرخاء الجهود المبذولة الآن لاحتواء إيران ومحاصرتها، وطالبت الدول العربية الخليجية الاستمرار في التزاماتها بتطبيق العقوبات الدولية المفروضة على إيران لإجبارها على الانصياع للمطالب الدولية، فإنها كانت حريصة أيضاً على تأكيد أن إيران هي الخطر الأهم بالنسبة للأمن الإقليمي الخليجي، وأن مواجهة هذا الخطر لن تتحقق إلا من خلال استمرار وتطوير التعاون العسكري والأمني بين هذه الدول والولايات المتحدة، لكنها كانت حريصة أيضاً على تأكيد بُعد آخر للأمن الإقليمي الخليجي هو ldquo;العراق الجديدrdquo; حيث اهتمت بدعوة الدول العربية الخليجية إلى دمج العراق في منظومة مجلس التعاون الخليجي، وتطوير العلاقات الثنائية مع العراق، وتكثيف الوجود العربي في العراق لموازنة النفوذ الإيراني .

الدعوة إلى دمج العراق في مجلس التعاون الخليجي سبق أن طرحها في العام الماضي روبرت غيتس وزير الدفاع الأمريكي واستقبلت بتحفظ خليجي مهذب مؤداه صعوبة الخوض في هذا الأمر قبل استقرار الأوضاع في العراق، لكن يبدو أن واشنطن إما أنها لم تقتنع بالتبرير الخليجي، وإما أنها في مأزق صعب بالعراق أمام قوة النفوذ الإيراني، ولا تريد أن تدفع ثمناً لا تريده لإيران مقابل التوصل إلى صفقة توازن مصالح مشتركة بخصوص العراق قد تؤول في النهاية لمصلحة إيران بعد اكتمال الانسحاب الأمريكي، من هنا يأتي مسعى دمج العراق الجديد في المنظومة الخليجية كمقدمة لتأسيس منظومة أمن إقليمي جديد ربما يشارك فيها العراق واليمن لخلق قوة توازن عربية بدعم أمريكي تكون قادرة على مواجهة إيران، وبالأحرى: صد تمدد النفوذ الإيراني في العراق خارج هذا المستطيل العربي الممتد من العراق شمالاً وحتى بحر العرب جنوباً للحيلولة دون تمكين إيران من تأسيس الشراكة الاستراتيجية التي تأملها مع العراق وسوريا ولبنان وربما تمتد إلى تركيا، وعندها ستكون إيران على تماس مباشر مع ldquo;إسرائيلrdquo; وهذا هو المحظور الذي لا تريده واشنطن ولا تقبل به .

الهدف واضح إذن، وهو خلق ldquo;حائط صدrdquo; أمام تمدد النفوذ الإيراني والحيلولة دون وصوله إلى ldquo;إسرائيلrdquo; لا عبر الأردن ولا عبر لبنان، من خلال تصفية الوجود والنفوذ الإيراني في العراق، حيث إن العراق هو نقطة وثوب إيران المؤكدة نحو ldquo;إسرائيلrdquo;، ولعل هذا ما يدفع الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; إلى الاصرار على فرض سيطرتها على ldquo;غور الأردنrdquo; وكل المنطقة الحدودية بين فلسطين والأردن عند تخطيط حدود الدولة الفلسطينية المقترحة، تحسباً لأي محاولة إيرانية للوصول إلى ldquo;إسرائيلrdquo; من خلال العبور من العراق إلى الأردن .

هذه التصورات الأمريكية ليست غائبة عن ldquo;إسرائيلrdquo; وربما تكون ldquo;إسرائيلrdquo; طرفاً أساسياً في بلورتها، لكن الأهم من ذلك أنها ldquo;أي التصوراتrdquo; الأمريكية الجديدة بخصوص دمج العراق في منظومة مجلس التعاون تبقى غامضة ومريبة لثلاثة أسباب أساسية، أول هذه الأسباب، أنها لا تحمل أي وضوح حول مفهوم الأمن الإقليمي الخليجي من المنظور الأمريكي الجديد . فالأمن الإقليمي الخليجي من هذا المنظور، ومنذ عام 1991 قائم على أساسين، الأول هو الاتفاقات الدفاعية الثنائية بين كل دولة من الدول الست أعضاء المجلس والولايات المتحدة، والثانية هي الأمن الذاتي المستقل لكل دولة على حدة مع حد أدنى من التنسيق المشترك في موضوعات محددة، فالولايات المتحدة لم تقدم حتى الآن أي صيغة ل ldquo;أمن جماعي خليجيrdquo; بين الدول الست، ولا بين الدول الست والولايات المتحدة، الأمن هو أمن متفرد، ولا تقبل واشنطن بأي نوع من الأمن الجماعي لا بين الدول الست ولا بين الدول الست وكل من إيران والعراق .

ثاني هذه الأسباب، أن الدافع للدعوة الأمريكية، لدمج العراق في مجلس التعاون ليس أمن دول المجلس ولا الأمن الجماعي لهذه الدول والعراق، ولكن الدافع هو المصالح الأمريكية، والحرص على بديل لملء فراغ الانسحاب الأمريكي .

أما السبب الثالث والأهم بل والأخطر فهو دور ldquo;إسرائيلrdquo; في كل هذه المعادلة الجديدة، في ظل كل ما هو معلوم ومؤكد عن وجود نفوذ استخباراتي وسياسي ldquo;إسرائيليrdquo; قوي في العراق، وفي ظل الدور المشبوه الذي قام به ldquo;الإسرائيليونrdquo; في العراق منذ اللحظات الأولى لدخول القوات الأمريكية، وفي ظل ما هو معلوم أيضاً من وجود عسكري ldquo;إسرائيليrdquo; واستخباراتي في إقليم كردستان العراق، بل وفي ظل ما هو معروض من خرائط ldquo;إسرائيليةrdquo; لتقسيم العراق وخرائط أخرى أمريكية لهذا التقسيم كان هدفها جميعاً القضاء على العراق كمصدر للتهديد بالنسبة للدولة الصهيونية .

تساؤلات ثلاثة تجعل الدعوة الأمريكية دعوة مشبوهة لكنها، رغم ذلك، مهمة من منظور فتح ملف العراق الجديد وعلاقته بالأمن الإقليمي الخليجي .