يوسف الكويليت

ظاهرة laquo;البوعزيزيraquo; الذي حرق نفسه احتجاجاً على الظروف العامة في تونس، أصبح عود ثقاب لحرق أجساد أخرى في الدول العربية، وكأننا أمام الانتحار السياسي الذي يوقد الحرائق في كل مكان، صاحب البدايات سينصب بطلاً وطنياً بعد أن خرج من صفوف الفقراء ليكون النموذج، وسيقام له تمثال، وتسمى باسمه مواقع مختلفة، لأنه لم يكن منتميا لأي تيار، بل عبّر عن قهره بأسلوب التضحية الكبرى..

قاد غاندي بمظهر الفقير الهندي أكبر ثورة سلمية ضد بريطانيا فكان نموذجاً صارخاً لوجه الظلم الاستعماري، لكنه ثبّت أعظم نظام ديموقراطي فاق مؤسسة هذا النظام (بريطانيا)، في وقت كانت الدول العربية التي خرجت من الاستعمار تتبع نظاماً ديمقراطياً وقضاءً عادلاً، وحتى الصوري منها كان أكثر استقراراً وعدالة من نظم الانقلابيين العسكر الذين قدموا لنا الحزب الواحد والنظام القمعي الواحد، ولا يستغرب أن في المغرب العربي وحتى دول المشرق من تتمنى الوصاية الدولية على أنظمتها بسبب حالات القهر والمظالم المتسعة..

لقد عبّر الكثير من أحرار العرب -سواء في زمن الاحتلال أو الحكومات الوطنية- بالأغنية الساخرة أو المحرضة، وكذلك الشعراء والعمال، وحتى المرأة لها شجاعتها في هذه المواقف، ومع أن المجابهة ظلت لصالح الدول، إلا أن العصر الراهن لم ينجز القضايا في أي بلد داخل المحيط الداخلي، بل رافقه رأي عام عالمي وضغط من المنظمات والجبهات التي تنتمي لمنظمات حقوق الإنسان أو الداعية للحرية، حيث ظلا الصوت المضاف لأي مواطن ينادي بالتعددية وإقرار العدالة وتوفير مستلزماته كمواطن له كامل الامتيازات بالوظيفة والتعبير الحر، والخيار الذي لا يتناقض مع النظام العادل..

خارج التوقعات، لم تكن تونس هي الشرارة التي خلقت نموذجاً يقتلع الرئيس بهذه السرعة، لأن المظهر العام لكل زائر أو قارئ لظروفها يشعر من خلال الأرقام والاستقرار بأنها البلد البعيد عن الصدامات والاحتجاجات، لكن ما كانت تخبؤه المظاهر الأخرى المجهولة، هي التي قلبت المقاييس وجعلت من البوعزيزي نموذج المحرك للقوى المستفزَة، وقبل أن نحكم على النتائج، فالاختبار الأكبر يبقى للأدوار التي ستلعبها كل القوى المحركة للشأن العام، والتي يجب عليها أن توفر نظاماً تكمله الإرادات الوطنية، سواء من كان في الداخل، أو المنفى، لأن الوحدة الوطنية ضمن دساتير ونظم توفر الحقوق للجميع، هي الضمان لتعايش وتوافق بين مختلف التيارات وأطياف المجتمع..

أما إذا عاكست النتائج رغبة الرأي العام لتُحتكر السلطة بذات السياسة والأسلوب، فإن الأمور ستعود إلى نقطة الصفر وعندها لا تدري ما يخبؤه المستقبل..