محمد عيادي

اعترف سفير تونس لدى اليونسكو المازري حداد، في حديث لقناة laquo;الجزيرةraquo;، بأن ورقة الإسلاميين التي كان الرئيس المطاح به بن علي يستعملها لتخويف الغرب من وصول من سماهم بـ laquo;الإخوانجيةraquo; إلى الحكم، فزاعة لا يوجد في الواقع التونسي ما يدعمها وباتت منتهية الصلاحية، بعدما استغلها لسنوات لكسب دعم الغرب والسكوت على انتهاكاته لحقوق الإنسان وقمع الحريات وتجفيف منابع التدين وما إلى ذلك.
اليوم وبعد أن رحل بن علي، وسقط حكمه بسرعة مفاجئة لم يتوقعها السياسيون والمحللون من الغرب والشرق، نجد بعض وسائل الإعلام الغربية تواصل استعمال تلك الفزاعة، برغبة غير معلنة للتدخل بشكل من الأشكال في الشأن الداخلي للتونسيين، ودعم توجه إقصاء الإسلاميين المعتدلين من المشاركة في بناء تونس ما بعد بن علي، مع أن الذين خرجوا للشارع في تونس بشكل سلمي وحضاري لاسترجاع كرامتهم وحقهم في التعبير بحرية والتعامل معهم كبشر وليس كأرقام، عبروا بوضوح وقوة أن لهم من الوعي الفكري والسياسي والعزيمة ما يجعلهم أقوى من أن يركب أي تيار سياسي أو فكري على نضالهم ويسرق ثمرة انتفاضتهم، فقد علمتهم 23 سنة من حكم الحزب الواحد دروساً لن تنسى، وسيتمسكون بالتعددية السياسية والفكرية بكل ما أوتوا من قوة، وسيدافعون عن حق الاختلاف ما دام في إطار حضاري ووفق قواعد اللعبة الديمقراطية.
لقد كشفت تصريحات العديدين ممن فكت انتفاضة التونسيين عقدة لسانهم وحررتهم من الخوف، زيف كل الأكاذيب التي كان حكم بن علي يشتري بها صمت الغرب على انتهاكه لحقوق الإنسان، وقمع الحريات، وتحكم المقربين منه في اقتصاد البلاد.
البعض يعتقد أن الفقر وغلاء الأسعار وباختصار الأوضاع الاجتماعية فقط هي ما أخرج التونسيين للشارع، والحاصل أن الشاب البوعزيزي الذي أحرق نفسه وأشعل غضب الشعب التونسي لم يفعل ذلك لأنه لم يجد خبزاً أو لم يجد عملاً فقط، فقد رضي بقدره وهو الخريج الجامعي وخرج يبيع الفواكه والخضر في الشارع ليعيل نفسه وأسرته، لكنه فعل ما فعل لأنه أهين في كرامته ومنع من جلب رزقه لما سحب منه ميزانه لمرات ومرات وسحبت منه عربته، فلما راح يستردها صفعته مسؤولة بالمجلس البلدي، بمعنى أن البوعزيزي أحرق نفسه لما أهدرت إنسانيته وأهينت كرامته لدرجة الصفع والضرب.
أعتقد أن ما حصل بتونس -ونسأل الله أن تستقر بها الأوضاع سريعا، وتمر هذه المرحلة الانتقالية بسلام وأمان- يوجه رسالتين أساسيتين:
الأولى للدول العربية التي اختارت تحكم الحزب الواحد في كل دواليب السلطة، وخنق الحريات وتأميم الصحافة، ولم تسمح بالتعددية السياسية، لأن اجتماع انتهاك حقوق الإنسان والقهر السياسي وسيطرة المنطق الأمني في إدارة الدولة والمجتمع مع هشاشة الوضع الاجتماعي يولد الانفجار والخروج للشارع كما حصل في تونس، وانتشار ظاهرة laquo;الانتحار حرقاraquo; وتحولت -مع كامل الأسف- إلى شكل من أشكال الاحتجاج رغم مخالفتها لشرع الله لكن الغضب و laquo;الحكرةraquo; يغيبان العقل، وهنا قد يقول البعض أَوَليس الظلم مخالفاً لشرع الله، والجواب نعم ولكن الخطأ لا يواجه بالخطأ، وقد حصل مع الشاب البوعزيزي ما حصل كما سلف في لحظة غضب حارقة، ولكن لا يجب أن تتحول لأسلوب في الاحتجاج يتكرر في هذا البلد وذاك.
الثانية للغرب الذي دعم نظام بن علي، وسوَّقه كنموذج سواء في المحيط العربي والإسلامي وسكت عن ظلمه، وهلل لإنجازاته الاقتصادية التنموية التي تبين فيما بعد أنها كانت تنمية لثروات عائلة بن علي وعائلة زوجته والمقربين منه فقط حسب تصريحات تونسيين، مع علمه (الغرب) بالفظاعات التي ارتكبها في حق الشعب التونسي (سياسيا وحقوقيا واجتماعيا).
وملخص رسالة التونسيين للغرب أن كُفّ علينا من نفاقك، كلنا نشترك في دائرة الإنسانية، ونعشق الحرية ونستحق الحياة الكريمة، وناضجون نستحق نظاما سياسيا يسمح بالتعددية السياسية، يحترم حقوق الإنسان ويجعل القانون فوق الجميع، وانتخابات وحياة ديمقراطية.