عبد الرحمن الراشد
من الطبيعي أننا نشهد مرحلة البراءة من العلاقة بالرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، حتى إن أحد أصهاره قال إنه كان ينوي أن يطلق بنت الرئيس في الصيف الماضي، لكنه لم يسمح له بذلك!
هذه هي طبائع الحياة، ولا أظن أن الرئيس المخلوع يجهلها، فهو نفسه دشن حياته الرئاسية، عندما انتزع الحكم من الرئيس بورقيبة بصيغة مماثلة؛ ألغى تاريخ رجل عظيم، ووعد بعهد جديد. وإذا كان معظم حكايات العهد البائد حول الفساد وسوء الإدارة صحيحا، فهناك أيضا الكثير من الادعاءات التي يسهل دحضها، ليس من قبل المؤرخين المعاصرين والسياسيين الناجين، بل أيضا من عموم الناس الذين عايشوا حقبة العشرين عاما الماضية. فمثل القول إن النظام السابق منع الصلاة وحرم الناس من التحجب وألغى الدروس الدينية التي راجت في الإعلام العربي، ادعاءات ليست صحيحة ويمكن التأكد منها من أي إنسان يعيش في تونس اليوم.
الذي فعله بن علي أنه حاصر الحركات الإسلامية ومنعها من العمل السياسي، فهل يستطيع أحد أن يزعم أن تونس خرجت عن المألوف في العالم العربي؟ غالبية الدول العربية اليوم تمنع الحركات الإسلامية المسيّسة من العمل الحزبي، أما الدول التي تسمح لها، فتضع عليها قيودا وسقفا منخفضا جدا. ومن جانب آخر، لا يمكن أن ننسب الإنجازات إلى بن علي في قضايا المرأة والحقوق الفردية التي يعتبرها كثير من التوانسة إنجازات لهم، لأنها من إرث الرئيس الراحل بورقيبة.
وفي حملة البراءة من عهد بن علي، صار هناك خلط بين خطايا نظام بن علي ومزاياه، وهناك الكثير من الاتهامات التي لا أساس لها من الصحة. والمفارقة أن جزءا من المبالغين في الحملة هم الذين عملوا معه، أو سبق أن عملوا واختلفوا، وهؤلاء يضخمون عيوب النظام، ليس من قبيل تثقيف الشعب العربي، بل دفعا للشبهات في زمن ملاحقة أتباع النظام السابق الذي كان مليئا بالعيوب ولا يحتاج إلى وصمه بما هو أكثر.
والشعب التونسي بالفعل حضاري في صبره وغضبه وحتى في اختلافه، مقارنة بكل الأحداث التي شاهدناها في دول إقليمية أخرى. وثورته هذه ستسجل أنها في نوعيتها وأسلوبها وثمنها ودماء أبنائها (66 قتيلا) تعبر عن أسلوب متحضر. ومشهد الشارع التونسي منذ خلع بن علي لا يزال هائجا ومائجا، لكنه منضبط جدا، على الرغم من وجود ثارات وغضب محتقن لعقدين ليس ضد بن علي فقط بل ضد مؤسسات الدولة ورجالاتها. في تصوري، أن تونس قادرة على الخروج من عقدة الانتقال من عهد إلى آخر بأسلوبها دون أن تعطي الفرصة لهدم المؤسسات التي بناها الشعب التونسي في أكثر من نصف القرن. بن علي لم يكن إلا جزءا من تاريخ تونس، ولم يكن كل ما حدث في تونس في زمن بن علي سيئا، لأنه قام به الشعب التونسي الذي كان هو المنتج الحقيقي. وسجل تونس لا يزال إلى اليوم أفضل من سجل الدول المغاربية المجاورة، على الرغم من أن موارد تونس هي الزراعة والسياحة وقليل من الصناعة، وتفوقت على غيرها بلا بترول أو عملات صعبة كبيرة.
هذا نتاج تونسي لا يمكن تهميشه من باب تكسير بن علي، الشخص والمؤسسة.
التعليقات