حسام عيتاني


على من هتف لخروج laquo;المارد السنيraquo; من قمقمه أن يشعر بالرعب قبل غيره. ذلك أن انضمام مارد جديد إلى مَرَدة الطوائف الأخرى لن يزيد الطائفة السنية في لبنان سوى انخراط في سياسات الخوف والعزلة والهوية المذعورة.

السياسات تلك هي ما يرسم إطار الدائرة المقفلة التي يسير اللبنانيون فيها منذ أعوام: يخشى الشيعة من إسرائيل والدمار الذي تهددهم به ليل نهار. ويخشون على سلاحهم أن يُنتزع من قبل قوة عاتية تأتيهم على غفلة منهم. ويخشون خسارة المكتسبات التي حققوها في مؤسسات الدولة وزيادة حصتهم في السلطة منذ اتفاق الطائف عام 1989.

ويخاف السنّة من تلك الاغتيالات التي تلاحق كل شخصية تبرز وتتميز من بينهم، من رياض الصلح إلى رفيق الحريري مروراً برشيد كرامي وحسن خالد وكثر غيرهم. حتى بات البعض يعتقد أن مؤامرة تديرها أطراف عدة ترمي إلى منع السنّة اللبنانيين من إنتاج زعامات وكوادر على المستوى الذي تستحقه طائفتهم. ويخافون من صعود الطائفة الشيعية ورمزها الأهم، هذه القوة العسكرية التي نازلت إسرائيل وهزمتها في أكثر من موقعة ومواجهة، والحاملة خطاباً مذهبياً صريحاً. ويخاف السنّة من ارتقاء الشيعة اجتماعياً واقتصادياً وعلمياً في حين يرون أنفسهم في أسفل السلم الاقتصادي- الاجتماعي اللبناني. ويخافون من الحيوية الشيعية المدعومة سياسياً ومالياً وعسكرياً من قوى إقليمية دائمة الاستنفار، مقابل بلادة مقيمة عند قيادتهم ونخبهم واسترخاء مبالغ في معسكر laquo;الاعتدال العربيraquo;.

أما المسيحيون فيخافون الشيعة والسنّة معاً. النموذجان اللذان يقدمهما أنصار laquo;الإسلام السياسيraquo; بشقيه الشيعي والسني، يتعارضان جذرياً مع كل القيم التي يقول المسيحيون أنهم يحملونها في هذا الشرق، منذ ألفي عام أو على الأقل منذ إنشاء علاقة مؤسسية مع الكنيسة الغربية في القرن السادس عشر. فلا ولاية الفقيه ولا الإمارة الإسلامية، أي الحدان الأقصيان لمشروعي الإسلام السياسي، يمكن أن ينطويا على ما يقنع المسيحيين اللبنانيين بالانخراط في أي منهما انخراط المؤيد الواعي. ويتراوح التحالف المسيحي مع القوى المذهبية الإسلامية المختلفة بين حدي التذاكي ومحاولة الاستيعاب. وسيكتشف المتذاكون المسيحيون، مثلما اكتشف اليساريون قبلهم، زيف أوهام توظيف الإسلاميين لمصالحهم الخاصة. فشل الاستيعاب سيأتي بطيئاً.

ويشي ما جرى أمس في لبنان، بتجذر النزعة المذهبية في تيار laquo;المستقبلraquo; على حساب اضمحلال المكون الوطني العابر للطوائف فيه. فاللجوء الى عنف الفقراء السنّة في المناطق الأكثر بؤساً وحرماناً، ليكون رافعة laquo;المستقبلraquo; في الاحتجاج على إقصاء سعد الحريري عن رئاسة الوزراء، وإن كان بجرعات محسوبة ولفترات محددة، لا يدع مجالاً للشك في تراجع التيار المذكور، ومن ورائه كل قوى الرابع عشر من آذار، خطوة إضافية عن التمسك بالنشاط المدني laquo;الديموقراطيraquo;. وهذا من دون الانزلاق إلى سجال عقيم عن الحق في تحريك الشارع وما يكفله القانون وما يمنعه.

كما يُظهر تحريك الشارع على النحو الذي جرى فيه، خسارة 14 آذار لَبِنَة جديدة من خطاب عابر للطوائف موجه الى الحساسيات الوطنية العامة، بعدما صار الكلام يندرج في سياق الاحتجاج على laquo;تعيين الجندي في ولاية الفقيه زعيم السنّةraquo;.

وما من أحد ساذج إلى حد تصوره تحميل القوى laquo;الاستقلاليةraquo; همّاً يزيد عن مصالحها المباشرة. بيد أن انفراط عقد قوى 14 آذار وعودتها الى مكوناتها الطائفية والمذهبية الأولية لا يصب في مصلحة أي مشروع وطني في لبنان. و laquo;المارد السنيraquo; الذي بشّر خطيب طرابلس بخروجه من قمقمه ليس إلا علامة جديدة على ضياع المشروع ذاك.