عبدالله العوضي

لا توجد ديمقراطية في العالم من حولنا تشبه أختها، وقد توجد إحداها ترفع صوتها ضد الأخرى وتنتقدها باسم الديمقراطية ذاتها، وقد تكون الديمقراطية المجردة لعبة سياسية بيد من يتقنها ويعرف بالدقة مساربها، وتمرر أحياناً غرائب الأمور في أروقة المجتمع الديمقراطي تحت عنوان الديمقراطية.

ومن أحدث غرائب الديمقراطية ما وقع في روسيا حين أعلن بوتين عن ترشحه للانتخابات القادمة في 2012 واعتراف الرئيس الحالي ميدفيديف عن وجود اتفاق مسبق بين الرئيسين حول تداول السلطة في الفترة الرئاسية السابقة.


وهذه أول مرة في تاريخ الانتخابات الديمقراطية يتم الإعلان عن الرئيس الفائز قبل بدء الانتخابات الحقيقية وقبل رؤية هرولة الناس إلى صناديق الاقتراع لملئها بالورقة ذات الاسم الواحد.
هكذا إذاً، بدأت الديمقراطية تفقد بريقها بعد فترة رئاسية من حكم ميدفيديف، وكان البعض المتفائل يأمل في تغيير البوصلة السياسية في روسيا نحو الديمقراطية الفعلية وخاصة في عملية تداول السلطة بعيداً عن تأثيرات الـquot;كي. جي. بيquot; التي حولها بوتين في عهده السابق واللاحق، إلى عشرات المؤسسات من الأحجام الصغيرة لذات quot;كي. جي. بيquot;، فلا زال للأمن الصوت العالي في إيصال بوتين إلى رأس الرئاسة في روسيا إن لم تكن فترة رئاسية ثانية فإنها كما يخمن البعض لفترتين متتاليتين حتى عام 2024، حتى إن كان عمر بوتين قد تجاوز الثمانين.

يبدو أن جينات الاتحاد السوفييتي في طول أمد الرؤساء في الحكم لم يتخلص منها بعد في روسيا الحالية، وإن كانت الأطراف الشرعية التي تم خلعها من الجسم الأصلي قد ردت تلك الجينات من ورائها غير آسفة على ذلك، ولفظتها موجة الديمقراطية كاسحة لكل ما يذكِّر بالعهود التي كانت الأنفاس فيها محبوسة ومحسوبة.

فالديمقراطية عندما تصبح واجهة لأي نظام حاكم في وضع روسيا لا تخفي ما تحتها من الأوضاع المزرية، فمتى كان برواز الديمقراطية بديلاً لمضمونها، فسرعان ما تسقط في أول اختبار تجريبي لصورة الديمقراطية البعيدة عن مجالات التطبيق سواء في الحكم أو في أروقة المجتمع بكل مؤسساته؟

فالتجربة الروسية اليوم تعطي دلائل سلبية للغاية مقارنة بأخواتها اللاتي أعلن الانفصال عنها والتبرؤ من الانتساب إليها عند أول فرصة سنحت بذلك، وبدعم مباشر من الغرب الديمقراطي صاحب المشروع الحقيقي لهذا التغيير في المنظومة السوفييتية ككل.

نقول ذلك، بعيداً عن سياسة المفاجآت التي قد تحملها الأيام القادمة لروسيا وقد أمل العالم في رؤية نموذج الديمقراطية فيها، مثل أخواتها الشرقيات الصغار، ولكن يبدو أن الأخت الكبرى أبت أن تتشبه بأخواتها، حتى لا يقال بأنها تأثرت بهن وهي فوق ذلك المقام بكثير.

نخرج من ذلك بأن الطريق نحو الديمقراطية قد تأخذ ببعض الدول مسارات للالتواء حولها بذات المسمى الديمقراطي وبذات الأدوات الانتخابية، إلا أننا في الديمقراطيات المعروفة، فإن المترشحين للرئاسة يصعب التكهن بهم حتى في الدقائق الأخيرة من إقفال صناديق الاقتراع، وفي بعض الحالات لم يعرف الفائز من الخاسر إلا بعد فتح تلك الصناديق الشفافة، ولا ننسى حالة بوش الابن التي حسمت بالعد اليدوي، إلا أن المقارنة هنا والمفارقة واضحة في روسيا التي أعلنت من ساعتها هوية الرئيس الذي يجب أن يفوز، وإلا فإن الفوز ذاته سوف يجبر على الجري خلفه، لا علاقة لإخباره بأن فوزه أصبح حتمية تاريخية كما هي عادة الديالكتيك السابقة في العهد السابق الذي يصر بوتين على إعادته في العهد المقبل.