عطاء الله مهاجراني


كيف يمكننا أن نحلل المؤامرة التي استهدفت اغتيال السفير السعودي في واشنطن؟ من الذي سيستفيد من هذه المؤامرة الساذجة؟ هل هي أميركا أم إسرائيل أم إيران؟ وهل هذا دليل جديد يثبت نظرية باربرا تاتشمان في كتابها laquo;مسيرة الحمقىraquo;؟
عندما قالت: laquo;هناك ظاهرة ملحوظة على مر التاريخ بغض النظر عن مكان أو وقت حدوثها وهي عبارة عن ملاحقة الحكومات لسياسات تتضارب مع مصالحها الخاصة. يبدو أن الجنس البشري يقوم بأداء حكومي سيئ أكثر من أي نشاط بشري آخر يقوم بهraquo;.
ويبدو لي أننا نواجه قضية شديدة الضبابية هنا. لقد كان رد الفعل الأميركي قويا للغاية في الساعات الأولى من الحادث. حتى إنني تساءلت: هل نحن على شفا حرب جديدة في المنطقة؟ هل ردة فعل قاسية كهذه ضرورية؟ فقط انتبه إلى ردة فعل جهات مختلفة على هذه الأنباء:
طالب بونير، رئيس مجلس النواب، إدارة أوباما بـlaquo;معاقبة إيرانraquo;.
وقال جو بايدن، نائب الرئيس الأميركي: laquo;لم يتم استبعاد أي احتمالraquo;، فقد تقرر الولايات المتحدة عقوبات محتملة ورد فعل عسكري، وأضاف أن عواقب هذه القضية ستكون شديدة على إيران.
كما ذكر رئيس لجنة الأمن القومي في الكونغرس الأميركي أن هذا المخطط laquo;عمل حربيraquo;. على الرغم من ذلك جاء رد المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية الذي يصر على اتخاذ أبعاد سياسية وقانونية وقضائية على الحادث أكثر هدوءا.
فقد ذكرت وزارة الدفاع الأميركية يوم الأربعاء الموافق 12 أكتوبر (تشرين الأول) أن المخطط الإيراني المزعوم لاغتيال السفير السعودي في واشنطن يستلزم إجابة دبلوماسية وقانونية، وقللت من احتمال اتخاذ رد فعل عسكري.
وتحدث جون كيربي، المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، إلى صحافيين قائلا: laquo;لدى الجيش الأميركي مخاوف منذ فترة طويلة بشأن التأثير السيئ لإيران في المنطقة. لكن هذه القضية مسألة قضائية ودبلوماسيةraquo;. وعند سؤاله عما إذا كانت الولايات المتحدة قد استثنت قرارا عسكريا، أجاب كيربي: laquo;الرئيس فقط هو من يحدد كيف يريد أن يستخدم جيشهraquo;. ويبدو أن وزارة الدفاع قد قللت من المخاوف في اتخاذ رد فعل عسكري.
من ناحية أخرى، نواجه بعض التشكك بشأن هذه الدعاوى. فقد ذكر روبرت باير (ضابط سابق في وكالة الاستخبارات المركزية لقضايا الشرق الأوسط) أن laquo;فيلق القدسraquo; لم يكن أبدا مهملا إلى هذه الدرجة حتى يستخدم عملاء غير مدربين ويتعاقد مع تجار مخدرات مكسيكيين ويرسل أموالا من خلال حسابات مصرفية في نيويورك ويضع عملاءه على أراض أميركية مخاطرا باحتمال إلقاء القبض عليهم.. ببساطة إن laquo;فيلق القدسraquo; أفضل من ذلك. ويتساءل ماكس فيشر على موقع laquo;ذا أتلانتكraquo;: ما الذي ستحصل عليه إيران من هذا المخطط الإرهابي؟ دعونا نعد من حيث بدأنا هذا المقال، ونفكر في المخطط الإرهابي كمبرر لفصل جديد في المنطقة.
يمكننا أن نتذكر أنه بعد أحداث 11 سبتمبر (أيلول)، استخدم جورج بوش الأب هذا المصطلح الذي يحمل مغزى معينا laquo;عملا حربياraquo;. ويبدو أن جميع الشخصيات البارزة في كلا الحزبين يستخدمون نفس المصطلح. هل تريد أميركا أن تدبر وتبدأ حربا جديدة في الشرق الأوسط؟ هل أميركا في صدد تنظيم تحالف جديد ضد النظام الإيراني الحالي؟
وعندما ندرس جميع المبررات التي بررت الحروب العالمية أو الحروب القارية نفسها، نجد أن هذا الادعاء يبدو مناسبا إلى حد ما لشن حرب جديدة. ويعد هذا فصلا جديدا في laquo;مسيرة الحمقىraquo; في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. دعوني أقدم لكم مثالا فريدا: كيف احتلت قوات الجيش الإسرائيلي لبنان؟ لقد بدأت القصة بمحاولة اغتيال السفير الإسرائيلي لدى بريطانيا.
في الثالث من يونيو (حزيران) 1982، اقترب ثلاثة رجال هم حسين غسان سعيد ومروان البنا ونواف الروسان من أرغوف أثناء محاولته الدخول إلى سيارته بعد حفل عشاء في فندق laquo;دروشيسترraquo; بلندن. وقام سعيد بإطلاق النار على رأس أرغوف. ورغم أنه لم يقتل، فقد ظل في غيبوبة ثلاثة أشهر.
وكان هؤلاء الثلاثة أعضاء في منظمة أبو نضال. كان البنا ابن عم أبو نضال وكان الروسان عقيدا في الاستخبارات العراقية. وقد أطلق الحراس الشخصيون النار على سعيد، الشخص الذي أطلق النار، وقد أصيب بجراح شديدة في الرأس إلا أنه نجا مثل أرغوف.
وتم استخدام هذه الحادثة كمبرر للحرب على لبنان عام 1982 التي بدأت في 6 يونيو وأدت إلى طرد منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان، على الرغم من أن هؤلاء الأشخاص الثلاثة ليسوا أعضاء في منظمة التحرير الفلسطينية.
والآن دعونا نعد إلى السؤال الرئيسي: هل الشرق الأوسط على شفا حرب جديدة؟ ومن سيكون الفائز والخاسر في هذه الحرب؟ أعتقد أننا إذا ما خضنا حربا جديدة، فستكون إيران هي الفائز الأول. ونظرا لذلك، يعتقد البعض أن التاريخ يعيد نفسه بصورة جديدة.
أثناء حكم خاتمي قتل روائيون وسياسيون على يد فرع خاص لوزارة الاستخبارات وقوات الأمن. ولذا يمكن للبعض الزعم أن فرعا خاصا من فيلق الحرس الثوري هو الذي يقف وراء هذا المخطط. من الواضح للغاية أن هذا المخطط كان شديد السذاجة والغباء. على سبيل المثال، عندما نقرأ التعليقات على هذا الأمر، سنصاب بدرجة معينة من الشك:
laquo;لنفترض أن الخبر صادق.. ما الهدف من قتل سفير؟ وماذا ستجني إيران من قتله؟ فلا أهداف استراتيجية سوف تحقق، ولا هذا سيخفض من العقوبات الدولية تجاهها. بإمكان السعودية إرسال المئات من السفراء بدلا منه، فهل تنوي إيران قتلهم جميعا؟ خبر غريبraquo;.
إن إيران والسعودية هما المتنافسان في المنطقة. وسوريا والبحرين والعراق هم الميادين الثلاثة لهذه المنافسة. وكلا الجانبين لديه ميزاته وعيوبه. لكني أعتقد أنه ما من أحد يلقي بالا إلى احتمال اندلاع حرب جديدة في المنطقة. وعندما أقول ما من أحد، فأنا أعني جميع الأطراف والمراقبين الذين ينظرون إلى الأفق البعيد. أعتقد أن حربا جديدة سوف تدمر كل شيء. وستدفع الشعوب ثمن هذا، كما دفع العراقيون والأفغانيون الثمن. لقد قال جمال خاشقجي في حوار معه على قناة laquo;العربيةraquo;: laquo;لقد انقطعت شعرة معاوية بين إيران والسعودية!raquo;.
أعتقد في هذه اللحظة أننا يجب أن نكون أكثر صبرا ودقة، حيث إن إشعال النار لن يضع حلا للأزمة الحالية. وإذا ما اتفقنا على أن مجموعة تابعة لفيلق الحرس الثوري تهدف إلى بدء حرب جديدة في منطقتنا، فحينئذ يجب أن تتم محاسبتهم هم، يجب أن يدفعوا هم الثمن، وليس شعوب المنطقة. يجب أن نتذكر أن مجموعة أبو نضال، التي نظمت مخططا لاغتيال الدبلوماسي الإسرائيلي عام 1982، لم تكن فلسطينية على الإطلاق. لقد كانوا مجرد دمى في أيدي الجانب الآخر. لكن في النهاية كان لبنان كدولة وشعب، علاوة على منظمة التحرير الفلسطينية، هم من دفع الثمن