علي حمادة

لوهلة ظنّ اللبنانيون مساء اول من امس ان المشهد الآتي من القاهرة، وتحديداً من مقر جامعة الدول العربية هو مشهد لبناني يعود الى مراحل الحرب التي دامت اكثر من سبعة عشر عاماً. ففي تلك المرحلة السوداء من تاريخ لبنان، كان بلد الارز ساحة صراعات، وكان مسرحاً لتصفية الحسابات العربية والدولية المتقاطعة. اكثر من ذلك كان مشهد وزراء الخارجية العرب وهم يبحثون في quot;الأزمة السوريةquot;، وفتاواهم السياسية حول ما يحدث هناك، شبيهاً بمشهد اسلافهم خلال سبعينات وثمانينات ومطلع تسعينات القرن الماضي حول لبنان وازمته. اليوم صارت سوريا بفضل النظام فيها موضع quot;عنايةquot; الخارج، العربي منه والغربي، الذي يمضي في وضع اليد على الموضوع مع كل شهيد يسقط برصاص نظام بشار الاسد.
لقد شعر النظام في سوريا ورئيسه بالاهانة العميقة جراء انعقاد مجلس وزراء الخارجية العرب الذي كان يبحث في الاساس في تعليق عضوية سوريا المعتبرة احدى اهم دول المركز العربي. واذ بها بالدم المسفوك تتحول دولة quot;فاشلةquot; تبحث عن دول شبه فاشلة مثل لبنان كي تقيها من تدخل عربي على خلفية منع قتل المواطنين، واقتراح حل عربي بفتح حوار بين النظام والمعارضة في القاهرة، اي في ارض محايدة لا يقتل فيها المعارضون كما يحصل في سوريا.
اين نحن الآن؟ بكل بساطة نحن امام quot;حل عربيquot; يحظى بدعم مجموعة عربية اساسية، ويقدم للنظام مخرجاً للتغيير الشامل بحماية عربية ودولية قبل ان يفوت وقت الكلام ويحين وقت التدويل بكل مظاهره. وبما ان النظام لا يزال يعيش في غيبوبة، ورئيسه يتوهم انه في زمن والده حافظ الاسد، فإنه يسارع كما نعرف الى رفض حوار مع المعارضة الا في دمشق. بمعنى آخر انه يتوهم انه لا يزال في موقع يخوله رفض مبادرة عربية ستسقط quot;جمهورية حافظ الاسدquot; بكل تأكيد لكنها اقل الحلول ايلاماً. ويتوهم ايضاً ان بوسعه ان يناور في وقت صار العدد الاكبر من الدول العربية في مواجهته، وفي وقت لن يتأخر التدخل الدولي الجدي بعد ان يكون المجتمع الدولي اخذ علماً بفشل quot;الحل العربيquot;.
لكن العامل الاهم في كل ذلك يتمثل في ان الامور تتطور بسرعة على الارض في سوريا. فالثورة مستمرة اقوى مما كانت، وصدقية النظام انتهت الى غير رجعة، والرئيس بشار الاسد صار بمثابة الرئيس الموقت في انتظار سقوط محتوم. والقتل يغذي الثورة، والانشقاقات في صفوف الجيش تتوالى من دون توقف، الى حد ان النظام صار مجبراً على استخدام الطائرات المقاتلة والهليكوبتر لضرب مواطن الانشقاقات في كل مكان. وفي النهاية فإن ما يحكى عن ان النظام quot;مرتاحquot; ليس صحيحاً، بل العكس فالصورة الآتية من الداخل مختلفة تماماً.
من هنا الى اين؟ الى مزيد من الاخطاء يرتكبها النظام، فيما يواصل قتل الناس بلا هوادة. والى تحول كبير في الثورة نحو مزيد من العسكرة التي فرضها سلوك بشار الاسد في قتل ابناء بلده.