أحمد الجارالله

برحيل الأمير سلطان بن عبدالعزيز نفتقد صقراً ما غمضت عينه يوماً عن مناصرة الحق والعدل, لكن هذه هي سنة الكون التي لا راد لقضاء الله فيها, فهو من أعطى وهو من أخذ, أخذ حبيبا إليه مستردا أمانة أودعت, ليس في السعودية, بل في كل الخليج والعالم العربي خيراً ومحبة وعنفوانا.
نفتقد في هذه اللحظات رجلا نذر نفسه, منذ نعومة أظفاره, لخدمة شعبه وأمته, إلا أننا بقدر حزننا الكبير على صاحب السمو الملكي ولي عهد المملكة العربية السعودية, لا نتردد في القول إن رحم بيت الحكم السعودي ولاد, وهذا ما يواسينا جميعاً في الخليج, إذ لا فراغ سيحدث في إدارة المهمات التي كان يتولاها الراحل, غير الفراغ الشخصي الذي يتركه كبير من هذه الأمة.
المغفور له بإذن الله تعالى الأمير سلطان بن عبدالعزيز, له مكانة كبيرة عندنا في الكويت, وبخاصة دوره في تحريرها من براثن الغزو الصدامي, إذ حين وقعت الواقعة قطع رحلة علاجه في الخارج وعاد إلى المملكة العربية السعودية ليشارك هو وإخوانه الصقور بقيادة الملك فهد رحمة الله عليه وولي عهده آنذاك الأمير عبدالله في شحذ الهمم, وتجييش العالم إلى جانب الحق الكويتي, وهنا علينا الاعتراف بإن لولاهم لما تحرك العالم, وقتذاك, وتكاتف لتخليص الكويت من شدق غول الغزو, بل أشرف الأمير سلطان شخصيا على إدارة العمليات الحربية طوال الأشهر السبعة العجاف التي شهدتها المنطقة.
هذا الكبير في كل مواقفه, أمير الخير والتواضع لا يمكن للمرء أن يتحدث عن فضائله الكثيرة المستمدة من روح بيت الحكم السعودي في هذه العجالة, لقد كانت مساهماته واضحة للعيان, أكان في المملكة أو في دول الخليج أو في العالم العربي, وكان في كل ذلك يعمل لإرضاء ربه يوم يلاقيه صافي السريرة, ناصع الثوب, يرفل بإزار المحبة الذي ألبسته إياه أعماله الخيرة, لقناعته أن الإنسان حين يودع الحياة الفانية تبقى أعماله سيرة دائمة بين الناس, فكيف إذا كانت المشاريع الخيرية التي طاولت الكثير من أرجاء وشعوب هذا العالم هي السمة الأبرز في حياة الأمير سلطان, الذي استحق فعلا لا قولا لقب سلطان الخير.
رغم معاناته الطويلة مع المرض العضال كان لا يتوانى لحظة عن أداء مهماته الوطنية والقومية ويتابع عن كثب مبادراته الإنسانية التي أولاها اهتماما كبيرا منذ بداية عمله في الشأن العام, ورغم مكابدته الآلام خلال السنوات الخمس الأخيرة, إلا أنه كان دائما بشوش الوجه, يصارع الوجع بالابتسامة, ويبث الأمل في نفوس الآخرين, راضيا بقسمة الله, موقنا أن الله يمتحن عباده المؤمنين بالصعاب في الحياة حتى يزدادوا قربا من الباري, فكان في المعاناة يزداد إيمانه بأن ما أصابه هو امتحان من المولى لرجل راسخ الإيمان لا يهرب من قضاء الله وقدره, ليلاقي وجه ربه بشوشا كعادته.
رحم الله سلطان المحبة وأسكنه فسيح جناته, وألهم خادم الحرمين والقيادة والشعب السعوديين, وكل شعوب الخليج الصبر والسلوان.