عبد الباري عطوان وعقل العقل: الأسد والفزاعات والخيارات العربية

الخيارات العربية في سورية
عبد الباري عطوان
القدس العربي
وصفت المعارضة السورية، والمجلس الوطني الانتقالي بالذات، مبادرة الجامعة العربية لحقن الدماء في سورية، بأنها 'عجلة انقاذ' للنظام، ومحاولة لإطالة عمره في السلطة، ولكن تقديراتها لم تكن في محلها على الاطلاق، ليس لان النظام السوري اجهض هذه المبادرة بعد يوم واحد فقط، عندما لم يلتزم بأي من بنودها، وانما لان الدول العربية التي تقف خلفها لم ترد لها ان تنجح من الاساس، لانها تعرف مسبقاً ان فرص تنفيذ النظام الفعلي لها محدودة للغاية، ان لم تكن معدومة.
الادارة الامريكية فضحت الاوراق العربية، وأحرقتها مبكراً عندما حثت المسلحين السوريين على عدم التجاوب مع مرسوم العفو الذي اصدره النظام السوري بمجرد تسليمهم لأسلحتهم، الأمر الذي جعل متحدثين باسم هذا النظام يتخذون هذا الموقف كدليل على التدخل الامريكي السافر في الشؤون الداخلية السورية.
المسلحون السوريون لم تكن لديهم النية لتسليم هذه الاسلحة، ولذلك لم يكونوا بحاجة في الاساس الى هذه النصيحة الامريكية 'الغبية'، لانهم لم يرفعوا هذه الاسلحة في وجه النظام وقواته من اجل ان يتنازلوا عنها، وانما من اجل استنزافه من خلال حرب تؤدي الى اسقاطه في نهاية المطاف.
المجلس الوطني السوري المعارض جدد يوم امس مطالباته بإقامة 'مناطق عازلة' تحت اشراف وحماية الشرعية الدولية، بعد اقتحام الدبابات السورية منطقة حمص، واستخدام المدفعية الثقيلة، في محاكاة اولية للنموذج الليبي، الأمر الذي قد يوسع الشرخ المتنامي بين معارضة الداخل والخارج.
الاختبار الحقيقي للجامعة العربية سيتجسد بجلاء اثناء اجتماعها يوم السبت المقبل، الذي من المقرر ان يعقد على مستوى وزراء الخارجية، فبعد اتهام النظام السوري بصراحة بافشال المبادرة العربية، يتوقع الكثيرون ان يقدم الوزراء على خطوات عقابية، تشير معظم التوقعات الى عدة نقاط في هذا الخصوص يمكن ايجازها كالتالي:
أولاً: رفع الغطاء الشرعي عن النظام في سورية، واعتراف بعض الدول او معظمها بالمجلس الوطني الانتقالي كممثل للشعب السوري، اسوة بنظيره الليبي،(لم يعترف بهذا المجلس الا ليبيا).
ثانياً: دعم قيام مناطق حظر جوي، او محميات اقليمية او دولية (مناطق عازلة) تستخدمها القوات المسلحة المعارضة للنظام، والمنشقة عن الجيش، كقاعدة لشن هجمات تزعزع امن النظام واستقراره.
ثالثاً: تشديد الحصار الاقتصادي من قبل دول الجوار لتضييق الخناق على الطبقة الوسطى التي تضم كبار التجار، وهي تتركز غالباً في مدينتي حلب ودمشق، فهذه الطبقة ما زالت تؤيد النظام، او على الأقل تتخذ موقفاً وسطاً في افضل الاحوال، انتظاراً لما يمكن ان تتمخض عنه الاوضاع، او تحسم لصالح النظام او المعارضة.
' ' '
من الصعب التكهن بما اذا كان الوزراء العرب سيتخذون خطوات كهذه، منفردة او مجتمعة، اثناء اجتماعهم المقبل، ولكن بالنظر الى تصاعد الاحاديث داخل اسرائيل والولايات المتحدة عن ضربة عسكرية وشيكة لايران لتدمير منشآتها النووية، يبدو هذا الأمر اكثر ترجيحاً.
الملف السوري بدأ يدخل مرحلة التسخين سياسياً وعسكرياً، بالتوازي مع تصعيد لهجة التهديدات ضد ايران، وربما ليس من قبيل الصدفة ان ينعقد اجتماع وزراء الخارجية العرب المقبل في القاهرة، بعد يومين فقط من صدور تقرير وكالة الطاقة الذرية، الذي من المتوقع ان يدين ايران، ويوجه اليها اتهامات مقرونة بالدلائل عن انخراطها في برنامج عسكري نووي في منشأة سرية في جوف احد جبال منطقة قم، حسب تقارير غربية موثقة.
عسكرة الانتفاضة السورية قد تكون الخطوة الأهم في الرد العربي الرسمي على النظام، تحت غطاء عدم تنفيذه للمبادرة العربية، وما يسهلها ان سورية محاطة بدول 'معادية'، مثل تركيا والاردن ولبنان، الى جانب الشريط الغربي الحدودي من العراق ذي الغالبية السنية التي تكن عداء شرساً لايران وحكم بغداد الموالي لها.
لا نعرف ما اذا كان التدخل الخارجي في سورية سيسبق الضربات الجوية والصاروخية المتوقعة لايران ام سيتبعها، ولكن ما يمكن معرفته ان المنطقة برمتها مقبلة على فرز طائفي سني ـ شيعي، قد يترجم الى حروب اهلية ليس في سورية وحدها وانما في معظم دول المشرق العربي، وخاصة في العراق ولبنان وبعض الدول الخليجية.
هناك أحاديث في منطقة الخليج يرددها بعض المسؤولين في جلساتهم الخاصة، تتحدث عن سيناريو جديد يدعو الى صرف النظر في الوقت الراهن عن تدخل عسكري اجنبي في سورية، والذهاب مباشرة الى ايران 'رأس الأفعى'، لان الخسائر التي يمكن ان تلحق باسرائيل وقواعد امريكا في الخليج هي نفسها، سواء كانت الضربة لايران او سورية. فحزب الله اللبناني سيقصف اسرائيل في الحالتين، وايران قد تتدخل عسكرياً لحماية حليفها السوري في حال تعرضه لتدخل خارجي.
' ' '
عسكرة الانتفاضة السورية ليست استراتيجية مضمونة لنجاحها في اسقاط النظام في نهاية المطاف، لأن الانتفاضة الاسلامية في الجزائر التي اشتعلت في مطلع التسعينات احتجاجاً على الغاء الانتخابات التشريعية الحرة التي فازت فيها جبهة الانقاذ، استمرت عشر سنوات تقريباً وأدت الى مقتل مئتي الف شخص.
ربما تكون المقارنة في غير محلها، بالاشارة الى ان سورية، وعلى عكس الجزائر، محاطة بدول معادية لنظامها، مضافاً الى ذلك ان الغرب لم يرد لانتفاضة الاسلاميين ان تنجح في الجزائر، ولكنه يريد لنظيرتها في سورية عكس ذلك تماماً. هذا لا يعني نسيان وجود دعم خارجي، وان كان من الصعب الجزم بجديته، من قبل روسيا والصين للنظام السوري.
الانتظار هو الخيار الوحيد بالنسبة الى اي محلل للأوضاع في هذه المنطقة الملتهبة من العالم، والتي تفاجئنا دائماً بالمفاجآت لصعوبة التكهن بمجريات الامور والنتائج التي يمكن ان تترتب عليها، فمن كان يتوقع ان تنهزم الولايات المتحدة في العراق وتسحب جميع قواتها ذليلة مهانة بعد خسارة تريليون دولار وخمسة آلاف جندي، ومن كان يتوقع عودة طالبان الى افغانستان وشن حرب دموية ضد الاحتلال الامريكي، واجبار الادارة الامريكية على رفع العلم الابيض اقراراً بالهزيمة؟
قطعاً هناك نجاحات امريكية غربية في ليبيا، تمثلت بإسقاط نظام القذافي بعد ثمانية أشهر من تدخل حلف الناتو، ولكن ألم يعلن الرئيس الامريكي جورج بوش كالطاووس 'انتهاء المهمة في العراق' بعد ثلاثة اسابيع من غزو هذا البلد واحتلاله؟ فمن كان يصدق ان ايران التي لم تطلق طلقة واحدة ستكون الرابح الأكبر في نهاية المطاف؟
سورية مقدمة حتماً على مستقبل مجهول عنوانه المزيد من سفك الدماء، ومن المؤكد ان النظام يتحمل النصيب الأكبر من المسؤولية، لانه اعتقد ان الحلول الامنية، وعدم التنازل للشعب هما الطريق الامثل للخروج من هذه الأزمة.
كل ما نخشاه ان لا يجد النظام او المعارضة سورية يمكن حكمها في نهاية المطاف.
العرب سيكونون 'شهود زور' مثلما كان حالهم في العراق وافغانستان، او الممول للحروب الامريكية، فهم لا يستطيعون معارضة امريكا ومخططاتها، حتى لو تعارضت مع طموحاتهم ومصالحهم. الخسارة العربية ستكون مؤكدة، والخلاف هو حول حجمها، ونحن هنا لا نتحدث عن الخسائر المالية، فهناك الكثير من التريليونات في بنوك الغرب لتغطيتها، المهم هو شكل المنطقة، والخسائر البشرية بعد الحرب الامريكية الرابعة في الشرق الاوسط في أقل من ثلاثين عاماً.
الأسد وفزاعات مكررة
عقل العقل
الحياة
صمت الرئيس السوري بشار الأسد شهوراً طويلة وآلة القتل والتنكيل مستمرة في ذبح المتظاهرين السلميين المطالبين بالحرية والديموقراطية، وخرج الأسد قبل أيام في مقابلة مع صحيفة laquo;الصندي تلغرافraquo; البريطانية في أول مقابلة له مع صحيفة غربية منذ بداية الاحتجاجات قبل ثمانية أشهر.
كنت أعتقد أن الأسد سيميل إلى الواقعية في تشخيص ما يحدث في بلده، وأن يبدأ بتقديم تنازلات حقيقية، وألا يأخذ بلده إلى وجهة خطيرة لا أحد يعلم ما هي.
ولكن الأمل خاب بتكرار الأسد فزاعات يرسلها إلى الغرب مفادها أن أي تدخل عسكري ضد سورية سيخلق أفغانستان جديدة، بل إنه قال عشرات من أفغانستان، من العيب أن يقول رئيس البلاد مثل هذا الكلام ويؤمن بمثل هذه الاحتمالات وهو من يملك السلطة ومفاصل الدولة ويستطيع أن يخرج بلده إلى بر الأمان، يقول في هذه المقابلة إنه شرع لإصلاحات بعد أيام من بداية الحركة الاحتجاجية وإن أثر تلك الإصلاحات قد تحقق، وذلك من خلال ضعف رتم الحركة الاحتجاجية، أولاً نود أن نعرف ما هي تلك الإصلاحات التي يتحدث عنها، فتلك موجودة في مخيلته وأركان نظامه فقط، مثل هذه العزلة من قبل القيادة السورية عما يجري في المدن والبلدات السورية من حركة قوية مطالبة بتغيير النظام هي من سيدفع سورية إلى حرب أهلية لا سمح الله.
في مقابلته مع الصحيفة الإنكليزية يكرر بشار الأسد ما قاله الرؤساء العرب الذين أسقطتهم ثورات شعوبهم، فهو يكرر المقولة نفسها التي سمعناها من مبارك والقذافي وابن علي إن بلد كل واحد منهم تختلف عن بلد الآخر، وإن بلاده في منأى من الثورة، غريبة طريقة تفكير هؤلاء الرؤساء العرب، لا يستفيدون مما يجري حولهم، بل إن مثل هذه الردود تؤكد لشعوبهم أنهم بالفعل في قمة الغباء السياسي، وأنهم لا يستحقون تولي مسؤولية حكمهم أكثر من ذلك، الغريب أن بعض الأنظمة العربية الملكية والتي لم تبدأ بها بوادر الثورات استبقت الأمر وبدأت بإصلاح أوضاعها السياسية قبل أن تقدمها كتنازلات في حال حدوث تظاهرات في تلك الدول كما حدث في المغرب والأردن على وجه الخصوص.
الأسد يقول للصحيفة الإنكليزية إن المشكلة هي أن نظامه يتصدى للمتطرفين الإسلاميين الذين يحاربون الدولة القومية العربية العلمانية على حد قوله، ويذكّر بحرب معهم في الثمانينات على حد زعمه، التي كانت مذبحة لأناس أبرياء ذبحوا وأبيدت مدينتهم، مثل هذه المقولة لا يمكن قبولها من الغرب الآن خصوصاً أن الدول الغربية وعلى رأسها أميركا لا تمانع في وصول الإسلاميين المعتدلين للحكم في الدول العربية، وقد عبّرت عن ذلك وزيرة الخارجية الأميركية في تعليق لها عن الأوضاع في مصر، إضافة إلى أن التيار الإسلامي السياسي قد استفاد من تجربته السياسية في ما جرى له في بعض الدول العربية مثل الجزائر، فقد أصبح يقبل بالآخر، ليس بمبدأ التقية السياسية، ولكن كخيار استراتيجي كما هو الآن جارٍ في تونس من فوز حركة النهضة واستعدادها لاحترام التيارات السياسية الأخرى واحترام مكتسبات المرأة هناك.
أعتقد أن بشار الأسد ونظامه يكذب على العالم بادعائه أن هناك دولة قومية عربية علمانية في سورية، وأن حرباً مع الحركات الإسلامية تدور في بلاده، فأين هي الدولة العلمانية التي يتحدث عنها وعلى الأقل على المستوى السياسي، حيث أن حزب البعث هو الحزب الملهم للدولة والشعب هناك وما عداه لا يوجد.
لقد قال بشار الأسد إنه وفي خلال ثوانٍ قادر على توقيع قرارات إصلاحية، ولكنه يقول إن الوضع السياسي في سورية معقد جداً، وليس بالسهولة القيام بالتغيير بهذه السرعة، مثل هذا التفكير والإيمان بالحل الأمني هو ما سيوصل سورية للتمزق والدخول في صراع دموي، وقد بدأنا نشاهد وتيرة الانشقاقات تحدث وبشكل أكبر من حيث الأعداد في الجيش السوري، وهذا دليل على أن النظام لا يهمه مستقبل بلاده في سبيل البقاء في الحكم مهما كان الثمن.
ويردد الأسد في هذا اللقاء أنه في حال مهاجمة سورية من الغرب فإنها معرّضة للتفكك والتمزق، ويحذِّر من أن ذلك سيجر المنطقة كلها إلى التفكك والتقسيم بسبب أهمية وخصوصية سورية، وهذه فزاعة أخرى لدول الجوار العربي التي تفكر بسحب غطائها عن النظام السوري، وأعتقد أنه مخطئ في ذلك، وعلى الجامعة العربية اتخاذ قرار حازم بإحالة قضية سورية إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، فالعالم العربي هادن وحاول مساعدة نظام الأسد باللجوء إلى حل سياسي، ولكنه لم ولن يستجيب له ومضى بحله الأمني الذي ثبت فشله، ولكن ما عسانا نقول لزعماء يتصرّفون ببلادهم وشعوبهم وكأنها أملاك خاصة بهم.