لندن

بفضل خدمة التجنيد العسكري، يجيد معظم السوريين الرجال استعمال الأسلحة، وقد تحول عدد كبير من الشبّان الذين كانوا يرتادون الجامعة منذ بضعة أشهر إلى حاملي أسلحة.
توشك مدينة حمص، ثالث أكبر مدينة في سورية، على الغرق في حرب أهلية، فقد أصبحت هذه المدينة الآن محور الصراع كونها تقع على خط طائفي ساخن ما بين منطقة يغلب عليها السنّة ومنطقة نحو الشمال الغربي حيث الأغلبية تنتمي إلى الأقلية العلوية الموالية لنظام بشار الأسد. في الأسبوعين الأخيرين، أشارت التقارير إلى مقتل أكثر من مئة شخص في المدينة، وتواجه قوى الأمن مصاعب كبرى لاستعادة سيطرتها على الوضع.
بين مدينتَي حمص وإدلب في الشمال الغربي، يواجه الموالون للأسد معارضة شرسة أكثر من أي وقت مضى، على الرغم من ارتفاع عدد حواجز التفتيش، فبعد أشهر من الاحتجاجات السلمية في معظمها، اتخذت الحركة الاحتجاجية في حماة، رابع أكبر مدينة سورية في شمال حمص، منحىً عنيفاً أيضاً، وفي أنحاء البلد، تزايد نطاق سفك الدماء، فقد انضم إلى الصراع عدد أكبر من المنشقين عن الجيش إلى جانب مدنيين كانوا يجمعون الأسلحة بأعداد متزايدة. في 16 نوفمبر، هاجم المنشقون عن الجيش قاعدة استخبارية في ضواحي دمشق، وقد تضاعفت نسبة الوفيات في أنحاء البلد خلال الأسبوعين الأخيرين، وفق أرقام الناشطين في مجال حقوق الإنسان. فقد قُتل حوالي 400 شخص حتى الآن خلال هذا الشهر.
بفضل خدمة التجنيد العسكري، يجيد معظم السوريين الرجال استعمال الأسلحة، وقد تحول عدد كبير من الشبّان الذين كانوا يرتادون الجامعة منذ بضعة أشهر إلى حاملي أسلحة، وفي هذا الإطار، يقول أحد الناشطين في حمص: ldquo;لم يتضح بعد عدد المنشقين المشاركين في الصراع ولكننا نشهد قتال شوارعrdquo;.
على الجهة الشرقية من البلد، وفي دير الزور تحديداً، يبدو أن النظام سيكون محظوظاً إذا مرّ يوم واحد من دون سقوط عدد من قوى الأمن، بحسب قول أحد سكان تلك المنطقة، وفي درعا، على الجانب الجنوبي من سورية حيث انطلقت الثورة في شهر مارس، أصبحت الاشتباكات بين الجنود الموالين للنظام والمنشقين ظاهرة شائعة، وفي هذا السياق، يقول شيخ محلي: ldquo;نحن لا نريد الحرب. لكن يبدو ألا مفر من ذلكrdquo;.
صحيح أن دمشق وحلب، ثاني أكبر مدينة سورية، لم تشهدا بعد أي أعمال عنف بالمستوى الذي تسجله حمص وحماة، ولكن الانشقاقات تزداد هناك أيضاً، والملفت في الموضوع هو أن كبار رجال الأعمال الذين كانوا يؤيدون النظام سابقاً بدؤوا ينقلون أرصدتهم إلى الخارج ويبدون مواقف متقلبة من الأسد، علماً أن عائلة الأسد لطالما نشرت ثقافة من الرأسمالية الودية، وحتى في أوساط المسيحيين والعلويين (تشكل كل فئة منهما حوالي عُشر الشعب السوري، وكانت هذه الجماعات تخشى استبدال الأسد بنظام سنّي أو إسلامي)، ربما لم يعد الولاء للنظام مضموناً بقدر ما كان عليه.


يتابع النظام إدارة مسيرات حاشدة دعماً له في دمشق وحلب، لكن يشارك معظم الحاضرين في تلك المسيرات تحت الضغط، فقد أقفلت الجامعات والمؤسسات العامة أبوابها للتأكد من عدم وجود أي حجة تبرر عدم مشاركة الناس في تلك المسيرات، يُذكَر أن أعداداً كبيرة من الأشخاص الذين شاركوا في الاحتجاجات المعادية للنظام قُتلوا في 13 نوفمبر.
حتى في الوقت الذي يكافح فيه الأسد لاحتواء موجات الاحتجاج، يبدو أن المد الدبلوماسي بدأ ينقلب ضده، ففي 2 نوفمبر، وافق الأسد على مجموعة من الاقتراحات التي طرحها 22 بلداً في جامعة الدول العربية، بما في ذلك تعهد بسحب قوى الأمن من المدن، وتحرير المعتقلين السياسيين (يُقال إن عددهم يتراوح بين 10 آلاف و20 ألف معتقل)، والسماح لحوالي 500 مراقب دبلوماسي وصحافيين أجانب بدخول البلد بعد أن مُنعوا من ذلك، والتواصل مع المعارضة عبر عقد محادثات قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إجراء انتخابات متعددة الأحزاب. أطلق الأسد سراح بضع مئات المعتقلين ولكنه تجاهل بقية شروط الاتفاق، ما دفع جامعة الدول العربية، في 12 نوفمبر، إلى تعليق عضوية سورية. بعد أربعة أيام على ذلك، أعلنت الجامعة العربية من المغرب أنها ستفرض العقوبات إذا لم يغير الأسد سلوكه خلال ثلاثة أيام.


تُعتبر هذه المستجدات ضربات موجعة في وجه الأسد ونظامه، فلا شك أنه دُهش من الإجماع شبه الكامل على قرار تعليق عضوية سورية في 12 نوفمبر، وحدهما لبنان الذي لا يزال يعيش في ظل سورية ودولة اليمن المضطربة صوّتا ضد القرار. حتى إن دعم لبنان للنظام السوري يزداد تخبطاً، إذ تواجه الحكومة اللبنانية ضغوطاً داخلية من القطاع المصرفي النافذ الذي يخشى مواجهة عقوبات غربية ومن الجماعات المعارِضة للنظام السوري. كذلك، عمدت حركة ldquo;حماسrdquo; إلى إبعاد نفسها بهدوء عن الأسد علماً أن هذه الحركة الفلسطينية الإسلامية تتخذ من دمشق مقراً لها منذ فترة طويلة.
حتى إن الجزائر والسودان، اللذين يدعمان في العادة حملات القمع، صوتّتا ضد النظام السوري. في المقابل، امتنع عن التصويت العراق الذي يخضع لقيادة الشيعة والذي يخشى نشوء نظام سنّي مكان نظام العلويين بقيادة الأسد، وحتى الملك الأردني عبدالله الذي كان يتخذ موقفاً حيادياً وحذراً، دعا الأسد صراحةً إلى التنحي، أما المملكة العربية السعودية، أهم عضو في مجلس التعاون الخليجي المؤلف من ست دول، فقد انقلبت ضد الأسد منذ فترة طويلة.
من بين اللاعبين المهمين الآخرين في المنطقة، نذكر تركيا النافذة التي كانت من أشرس المطالبين بإصلاح النظام السوري أو سقوطه. وتستضيف الحكومة التركية أبرز جماعات المعارضة السياسية، وتحديداً المجلس الوطني السوري، وهي تدعم قادة ldquo;الجيش السوري الحرrdquo;، وهو عبارة عن جماعة ناشئة مؤلفة من جنود منشقين. في الآونة الأخيرة، هددت تركيا أيضاً بقطع الكهرباء عن شمال سورية. لا يزال التوتر قائماً بين المعارضة السورية الداخلية والخارجية، مع أن المجلس الوطني السوري يبلي حسناً من خلال الحفاظ على جبهة واسعة تشمل فئة نافذة من ldquo;الإخوان المسلمينrdquo; والليبراليين العلمانيين في آن. ربما يتأمل بعض أعضاء المجلس بحصول الأفضل في مرحلة مبكرة استناداً إلى تجربة ليبيا، فهم يتوقعون أن يفرض الغرب والأمم المتحدة منطقة حظر جوي على سورية وأن يعلنوا مبدأ ldquo;مسؤولية حمايةrdquo; المدنيين.
صحيح أن مطالب الجامعة العربية التي تزداد صرامةً تدعو الأسد إلى عقد حوار جدي، لكن يبدو هذا الأمر مستبعداً حتى الآن، ومع ذلك، أصبح هامش المناورة لدى الأسد محدوداً جداً مقارنةً بما كان عليه منذ شهر فقط