ظافر محمد العجمي

قابلية الاستعمار هو مفهوم لخص فيه المرحوم laquo;مالك بن نبيraquo; مشكلة الاستعمار لبلده، بأنها قابلية تأتي نتيجة عيوب داخلية في المجتمعات نفسها، أكثر من دور القوى الاستعمارية. وقد تم استخدام مفهوم المفكر الإسلامي الكبير لتفسير أمور عدة، حيث استخدم لدعم الرأي بأن قابلية الاستعمار لدى الشعب الجزائري دفعت بالكثير من أبنائه للحاق بالمستعمر الفرنسي بعد رحيله تتبعا لنور باريس الثقافي والمعيشي، لينتهي بهم الأمر في الضواحي المعتمة الفقيرة.
وحين استنطاق المسكوت عنه تصدمنا جملة وقائع جزائرية منها أن فقدان الحرية وضيق العيش هما ما دفع الجزائريين لترك بلدهم. فكيف تضيق سبل العيش بأبناء بلد هو من أكبر دول العالم المنتجة والمصدرة للغاز الطبيعي؟ حيث إن رفاهية العيش المفترضة للمواطن الجزائر- بعد حساب الكميات المنتجة نسبة لعدد السكان- يجب أن لا تقل عن رفاهية عيش المواطن القطري الذي يشكل الغاز الطبيعي المصدر الرئيسي لدخله كالجزائر لو لم تعان الجزائر من الفساد وسوء الإدارة وعدم تطوير نفسها في مجال الغاز مثل قطر. ولعل هذا ما دفع وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم لتنحية اللهجة التصالحية جانبا مع وزير خارجية الجزائر في قمة تجميد عضوية نظام دمشق في الجامعة العربية، وإرسال إشارات صادمة تشير كألف شاهد إلى أن وقوفهم مع فساد نظام دمشق يجرهم لنفس المصير.
في سبع سنوات ونصف دفع الجزائريون مليون ونصف المليون شهيد خلال ثورة التحرير الوطني، كما عرفت تلك البلاد بأرض الإسلام نظرا لتعلق شعبها به وانطلاق الفتوحات منها للأندلس. فكيف تسنى لثوار الستينيات سلب المواطن الجزائري حريته التي ضحى من أجلها، وكيف حورب الإسلام في بلد الفتوحات تحت ذريعة الإرهاب؟، وكيف انتزع الحكم من حكومة مدنية منتخبة في التسعينيات؟ حيث يرى الشيخ عبدالله جاب الله رئيس حزب جبهة العدالة والتنمية وأكبر سياسي إسلامي معارض في الجزائر أن حكومة بلاده لم تستطع معالجة نقص الديمقراطية والعدالة التي هي أساس مشاكل الجزائر. ليؤكد المبعوث الدولي ووزير الخارجية الأردنية الأسبق عبدالإله الخطيب على أحقية حكومة الجزائر في أولوية تلقي زخات مطر الربيع العربي. وإن الدولة التالية التي سيتحرك فيها الربيع العربي بعد إحداث التغيير في سوريا هي الجزائر. قالها الخطيب بثقل أحد الشخصيات ذات الصلة القوية بالمجتمع الدولي. وبوزن الرجل الذي كلف بالتحدث باسم المجتمع الدولي في بداية أزمة ليبيا.
وبعكس التغطية الإعلامية الكبيرة التي حظيت بها الدول التي مستها رياح الثورات العربية، استثنيت الجزائر حتى الآن رغم أنه بلد ذاكرته ثورية في المقام الأول لكن رفع حكومته لشعارات الحرية والعدالة لم يمنعهم من الوقوف مع معمر القذافي وبشار الأسد، مما يطرح تساؤلات عربية شعبية بمدى مسؤولية القيادة السياسية في الجزائر عن جريرة دعم الأنظمة على حساب الشعوب. وبالإضافة إلى الوقوف بجانب الأنظمة الاستبدادية خارجيا؛ قامت الحكومة داخليا بدل توفير الديمقراطية والرفاهية لشعبها بإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ 20 عاما دون القيام بإصلاحات سياسية تذكر. كما تحاول تهدئة غضب الشارع بالتركيز على الإشكالية السطحية وهي الفقر بتوزيع الأموال معتبرة أن الأزمة اجتماعية. يسندها وهم أنها بعيدة عن مصير غيرها من حكومات الاستبداد لكونها المورد الرئيسي للغاز لأوروبا وحليفا للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، حيث تروج السلطة أنه لم تكتوِ دولة من الفوضى مثل الجزائر، فهل المواطن الجزائري المطالب بالحرية والكرامة في العيش بحاجة إلى إقامة الحداد سبع مرات على نفس الجثة؟
في عشرة أشهر هي عمر الربيع العربي سقطت أربعة أنظمة عربية، فيما سوريا والجزائر والسودان وموريتانيا والعراق في قاعة الانتظار، وقد طال انتظار المواطن العربي في كل واحدة منها. فمتى تنتقل الجزيرة للجزائر؟