إياد الدليمي


ينتاب الكثير مخاوف من نجاح النظام الأسدي في إطفاء جذوة هذه الثورة السورية المباركة، سواء بآلته القمعية أو من خلال مناوراته المتتالية أو حتى بكثرة التسويف والمماطلة التي تبديها، ليس أنظمة عربية وحسب، وإنما حتى من قبل المجتمع الدولي.
بل إن البعض راح يصدق أن هذه الثورة قد تقبر بعد نحو تسعة أشهر من انطلاقتها وأكثر من 5 آلاف شهيد، سقت دماؤهم أرض الشام، ونحو 15 ألف معتقل بالإضافة إلى أعداد أخرى من المفقودين ونحو عشرة آلاف لاجئ سوري.
نعم النظام الأسدي ومنذ انطلاق الثورة المباركة تعامل معها بنوع من الخبث، ربما فاق تصورات الكثيرين، مستفيدا من أورق لعب، طالما خبأها النظام لمثل هذه الظروف، مراهنا على الوقت ولا شيء غير الوقت، بالإضافة إلى آلته القمعية التي استبدت بالسوريين منذ اليوم الأول للثورة، وزاد في تعاطيه الإجرامي مع هذه الاحتجاجات الشعبية، برفع وتيرة الكذب الذي أصبح ديدنه، حتى إن وزير خارجية نظام الأسد، وليد المعلم، اختفى عن الأنظار، وربما غيب عمدا، بعد مؤتمره الشهير الذي أظهر ما قال إنها جماعات مسلحة تهاجم الجيش السوري والمدنيين، ليتضح بعد ذلك أن كل شيء كان مفبركا وأن الصور كانت تخص أحداثا وقعت في لبنان.
ونجح النظام السوري في استدراج العرب إلى لعبة الوقت عبر موافقته على مبادرتهم في اللحظات الأخيرة، ومن ثم يبدأ بالمماطلة طالبا تعديل فقرات تخرجها من سياقها، غير أن الأهم هو أن هناك شعورا بدا يتبلور عند شريحة كبيرة من المثقفين والسياسيين، بعدم وجود رغبة دولية في إسقاط الأسد، شعورا جاء بعد ترك طاغية الشام طيلة ستة أشهر يفتك بشعبه، لتبدأ من بعدها أولى مبادرات العرب عبر الجامعة العربية والتي أخذت ما يقارب الشهرين دون أن تنجح في إيقاف آلة القتل أو وضع حد لإجرام النظام السوري.
النظام راهن ومنذ البداية على حلفائه، إيران وحزب الله في لبنان وحكومة نوري المالكي في بغداد، بالإضافة إلى روسيا والصين، ونجح في كسب مزيد من الوقت، معتقدا أن كل هذه الحيل والألاعيب سوف تمكنه في نهاية المطاف من البقاء في سدة الحكم.
ما أراه، أن لا أحد، على الأقل دوليا وبعض الأنظمة العربية، يرغب في إزاحة هذا النظام، والأسباب في ذلك أكثر من أن تعد أو تحصى، ولكن إرادة هذا الشعب الأبي هي التي فرضت على الجميع سطوتها، وبات الكل محرجا مما يرتكب في أرض الشام، حتى أعلنتها مفوضية حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أن ضحايا القمع الأسدي قد تجاوزوا الـ5 آلاف ضحية.
وهنا نؤكد أن شعبا واجه كل هذه الآلة القمعية الخبيثة، بصدور عارية وإرادة وإيمان، لن يتراجع، واهم من يعتقد أن الأسد سيحكم سوريا بعد اليوم، فهو فقد السيطرة رغم قواته وشبيحته وميلشياته على أغلب المدن السورية، بل حتى دمشق وحلب، باتتا على وشك الانفجار بوجه النظام.
واهم من يعتقد أن شعب الشهداء سيتراجع، وأن ثورة الشهداء قد تخبو جذوتها، واهم من يعتقد أن إيران أو حزب الله أو روسيا والصين سيتمكنان من انتشال النظام من وحل هزيمته أمام إرادة الشعب، فما يجري من قمع في حمص وإدلب ودرعا وحماة ودير الزور، يؤكد كل يوم أن الشعب السوري اختار طريقه، طريق الانعتاق من ربقة الاستبداد.
اليوم وبعد تسعة أشهر من عمر الثورة السورية، يبدو المشهد، رغم بشاعة القتل الذي يمارسه النظام بحق شعبه، أكثر وضوحا، فهناك رغبة عارمة عند السوريين بعدم العودة إلى الوراء، وهناك اليوم حرج دولي كبير بسبب تجاهل ما يجري على الأرض السورية، وأيضا هناك تململ حتى من حلفاء النظام، فروسيا التي يبدو أنها ستنشغل عما قريب بربيعها، لن تتمكن من الاستمرار في دعم هذا النظام، في حين تسعى إيران ومعها حزب الله إلى إيجاد مخرج، يضمن لهما موطئ حتى ولو بقاء النظام في حده الأدنى، بينما بات واضحا أن موقف الحكومة العراقية سيكون عرضة للتغيير من سوريا تحت الضغط الأميركي الذي بدا واضحا في اللقاء الذي جمع المالكي مع أوباما منتصف الأسبوع في واشنطن.
لا تخافوا على الثورة السورية، فحتى لو وقف العالم، كل العالم ضد تطلعات هذا الشعب، فلن يخمدوا أوارها، فلقد اشتعلت تلك النفوس التواقة إلى الحرية، وذاقت، مع القتل اليومي، طعم الحرية، وهي اليوم أحرص من أي وقت مضى على أن تناله كاملا غير منقوص.