شملان يوسف العيسى
التجارب الإنسانية تخبرنا بأن النجاح السياسي للديموقراطية يتمثل في نجاحها الاقتصادي... فعلماء السياسة يؤكدون بأنه كلما كانت الدولة أكثر رفاهية زادت فرصة استدامة الديمقراطية فيها، ومع تطور الدول اقتصادياً تتطور مجتمعاتها أيضاً وهذا من أسباب قوتها ومهاراتها بما يعزز استمرار التنظيم والإدارة الديمقراطيين.
والسؤال الذي ينبغي طرحه هنا: لماذا لم تتعزز الديمقراطية في الخليج رغم ثراء دوله؟ الثروة لوحدها لا تنتج الديمقراطية والحريات. ودول الخليج زاد ثراؤها خلال نصف قرن لكنها بقيت تحت حكم أنظمة محافظة، مع تفاوت الممارسة الديمقراطية فيها من دولة إلى أخرى. وعلى العموم فإن ثراء دول الخليج من النفط لم يفرز تغيراً سياسياً فيها إلا على نطاق محدود، لأن التنمية السياسية في هذه الدول تختلف جذرياً عن النموذج الغربي والآسيوي، فالرأسمالية في الخليج لم تتطور من نظام زراعي إلى نظام صناعي وصولاً إلى نظام الخدمات رفيعة المستوى.
لقد استغلت دول الخليج فائض أموال النفط من أجل شراء الحداثة في صورة عمارات ومستشفيات ومدارس وغيره، واقتناء سيارات وبيوت ضخمة وقصور، لكن بقيت شعوب الخليج كما كانت عليه قبل النفط في بعض الحالات، مع وجود بوادر للتغير تدب بين شباب الخليج المتعلم الذي يطالب اليوم بإصلاحات ديمقراطية في بلدانه.
ذكرنا هذه المقدمة الطويلة للتأكيد على وجود طبقة تجارية من رجال الأعمال ذات ثراء كبير، لكن دورها السياسي لا يتناسب مع حجم ثرواتها، حيث نقلت مجلة فوربس Forbes (الشرق الأوسط)، العدد الرابع عشر (ديسمبر 2011)، عن دراسة أجرتها شركة quot;ولث اكسquot; (WealthX) حول ذوي الدخول المرتفعة في منطقة الشرق الأوسط، أن أثرياء السعودية يتربعون على قائمة أثرى أثرياء المنطقة خلال عام 2011، حيث احتلوا المركز الأول في مجمل الثروات الخاصة التي يمتلكها الأفراد في المنطقة، إذ يمتلك 225 ثرياً سعودياً ثروة تبلغ 227 مليار دولار، وتأتي الإمارات في المركز الثاني بـ720 ثرياً بثروة إجمالية قدرها 112 مليار دولار، وقطر في المركز الرابع بـ290 ثرياً ثروتهم تصل 45 مليار دولار.
ما يهمنا من هذه الدراسة هو أن الطبقة التجارية في الخليج والكويت تحديداً لم يسهم أعضاؤها، ولم يسعوا لتنظيم أنفسهم وترتيب أمورهم بحيث يسهموا في إنجاح بعضهم أو من يمثلهم في انتخابات مجلس الأمة القادم، فالطبقة التجارية الثرية اعتمدت اعتماداً شبه كلي على بعض النواب والعلاقات العائلية بذوي السلطة والنفوذ.
هنالك نظرة دونية من قبل الطبقة التجارية للمجالس المنتخبة، ويعود سبب ذلك لشعورهم بأنهم يستطيعون التأثير أكثر على الحكومة بسبب علاقاتهم الشخصية والأسرية مع أهل الحكم. لقد غاب عن الأثرياء من الطبقة التجارية أن التطورات السياسية في الوطن العربي بدأت تتوالى بسرعة لمصلحة الشعوب، فالقادة العرب اليوم أصبحوا يتأثرون بآراء وأفكار الأحزاب والحركات السياسية التي لديها جماهير واسعة، بما فيها الجمعيات والنقابات وغيرها. على الطبقة التجارية في الخليج، والكويت بشكل خاص، لعب دور أكثر فعالية لقيادة المجتمع من خلال تأسيس جماعات ضغط أو أحزاب تحمي مصالحها. فالتجارب الغربية مع الديمقراطية تؤكد بأن الجماعات المنظمة هي التي تحقق مصالحها على المدى البعيد من خلال العمل الديمقراطي الحر.
التعليقات