رشيد حويل البيضاني
تعتمد الدول الكبرى في سياساتها تجاه غيرها من دول العالم على التفرقة والتمييز، وتقسيم هذا العالم إلى laquo;أناraquo; متضخمة الذات، وتمثلها أمريكا وروسيا وإسرائيل وبعض دول الغرب، وآخر مغلوب على أمره، مقهور في إرادته، ويمثله سائر دول العالم وبخاصة المشرق العربي ودول أفريقيا، وقد استلزم هذا التقسيم وتلك التفرقة أن أباح الفريق الأول لنفسه كل شيء، وحرم على الفريق الثاني كل شيء.
ولنأخذ مثالا واحداً على تلك التفرقة الممقوتة، وذلك التمييز البغيض، ألا وهو التكنولوجيا النووية، سلمية كانت أم عسكرية.
فللغرب كافة الحقوق في امتلاك هذه القوة بلا حدود، بل واستخدامها كيفما شاء، ومن ثم لا اعتراض على ترسانة الولايات المتحدة أو روسيا أو إسرائيل، ولكن من غير المسموح به لدول العالم الإسلامي بعامة، والدول العربية بخاصة، أن تفكر ndash; مجرد التفكير ndash; في امتلاك هذه التكنولوجيا، ولو سولت دولة عربية لنفسها امتلاك هذه القوة، فمصيرها كالعراق، وكليبيا أيام القذافي.
ومما لا شك فيه، أن امتلاك إسرائيل وإيران للسلاح النووي يشكل خطرا أو تهديدا للمنطقة العربية بأسرها، والعقل والمنطق يحتمان على دول الجوار أن تحصن نفسها، وأن تمتلك نفس القوة، لمواجهة عدو اعتدنا منه العدوان والاحتلال.
ومن العجيب أن تقوم الدنيا ولا تقعد لمجرد الشك في امتلاك دولة عربية لقدرات نووية، بينما يغمض الغرب عيونه عن رؤية ترسانة نووية في قلب هذا العالم العربي.
ومن هنا جاء تلميح الأمير تركي الفيصل إلى احتمال أن تسعى دول الخليج لامتلاك أسلحة نووية، حيث قال في مؤتمر الخليج والعالم الذي اختتم أعماله مؤخراً: إذا فشلت جهودنا وجهود العالم في إقناع إسرائيل وإيران بالتخلص من أسلحة الدمار الشامل، فلا بد لنا أن ننظر في جميع الخيارات المتاحة، ومن ضمنها حيازتنا لتلك الأسلحة.
كلام منطقي ولا يرفضه إلا جاحد للحق، ومعاضد للباطل، فكيف يمكن أن نقنع دولة تتهددها دولة أخرى بألا تتخذ من الوسائل ما تدفع به هذا التهديد؟!
وهل من العقل والمنطق أن نعاقب الدول التي التزمت بالقوانين الدولية، ووقعت على الاتفاقيات الملزمة بعدم انتشار السلاح النووي، بحرمانها من امتلاك هذه القوة، بينما نكافئ الدول المارقة الرافضة لكل التزام دولي، بحرية امتلاك السلاح النووي؟!
سياسة التمييز والتفرقة والكيل بمكيالين، هي سمة السلوك الدولي في عصرنا هذا، فقد أصبح الغرب هو المشرع الذي يحل ويحرم للمستضعفين من دول العالم، وعلى الجميع السمع والطاعة.
لذا على العالم أن يوقف إيران وإسرائيل وأن يبطل مفعولهما بأسرع وقت، لأن المتضرر هو الدول العربية، حتى إذا كانت إيران إسلامية.
نحن نرفض عدوان أية دولة على أخرى، ولم يسجل التاريخ لنا أن اعتدينا على دولة أخرى أو فكرنا في احتلال أراض لدول صديقة أو حتى معادية، ومن ثم فإن سعينا لامتلاك سلاح نووي ليس محل شك، ولا يمكن تأويله بأطماع في دول الجوار، لكنه مبرر ومشروع، ويختلف عن سعي دولة عرفت بالاحتلال والعدوان لامتلاك نفس القوة.
على هؤلاء المتحمسين لحقوق الإنسان أن يتحمسوا كذلك لحقوق الدول، وهذا يتطلب مراجعة المواثيق الدولية بحيث تمنح للدول كافة حقوق متساوية، وكما يسعى المتشدقون بحقوق الإنسان لمحاربة التمييز بين البشر، عليهم أن يرتقوا بأفكارهم ومبادئهم إلى محاربة التمييز بين الدول، فما هو حرام علينا، حرام على الجميع، وما هو حلال لهم، حلال لنا وللجميع. أفلا تعقلون..؟!
التعليقات