علي حسين


ظلت الناس تتساءل لماذا تم توقيت قضية الهاشمي مع انسحاب آخر جندي أمريكي ، ولماذا خرج عليهم رئيس الوزراء في مثل هذا اليوم متجهما متحدثا بخشونة ، البعض يقول ربما المالكي اختار هذا التوقيت بعناية ليوصل أكثر من رسالة وإشارة بأن المعركة السياسية القادمة ستدار بالطريقة التي يريدها هو ، هذا على مستوى الشكل اما على مستوى المضمون فان اخطر ما جاء في حديث المالكي هو تلك العبارة التي قال فيها quot; علينا ان نقبل به ndash; يعني الدستور -

على ما موجود به ومن يرفض الدستور عليه ان يكون خارج الحكومة quot; ولو وضعنا هذه العبارة بجوار ما يصرح به مجموعة المقربين من رئيس الوزراء سندرك اننا بصدد لعبة خطيرة تقوم على تفسير الدستور بما يتلاءم مع الظرف الذي يمر به رئيس الوزراء، شيء من ذلك جرى في المؤتمر الصحفي الأخير والذي لم نفهم منه شيئا باستثناء أن quot; نعم quot; للإجراءات الأخيرة تعني الاستقرار السياسي والحفاظ على الدستور، بينما كلمة quot; لا quot; تعني عدم الحفاظ على المكتسبات التي تحققت خلال السنوات الماضية حسب تعبير المالكي نفسه.
لقد قامت صورة الدولة بعد 2003 على فكرة تقاسم السلطات والفصل بينها بحيث تمنع ظهور quot;الحاكم الأوحدquot; وقد دفع المواطنون جميعا الثمن غاليا بعد عقود من الدكتاتورية التي مارسها صدام وبعد سنوات من الصراع بين أجنحة السلطة للوصول إلى تفاهم مشترك لتقاسم السلطة ، الفصل بين السلطات لم يكن ليتاح لولا تضحيات العراقيين الذين عانوا سلطة الرجل الذي بيده كل شيء ويعرف كل شيء، لكن يبدو أن البعض لا يريد لصورة القائد الضرورة أن تغادر الذاكرة العراقية، فبدأ من الآن يضع نهاية للمسلسل السياسي العراقي ، نهاية يظهر فيها القائد الأوحد وهو يبتسم ويطمئن شعبه أن كل شيء يسير بالاتجاه الصحيح وان مؤامرات الامبريالية وأعوانها ستقبر والى الأبد ، وينتهي المشهد بتصفيق حاد من المشاهدين المساكين الذين تنطلي عليهم اللعبة، والذين لا يعرفون حتى لحظة اقامة المؤتمرات الصحفية ، كيف يتخذ القرار في العراق؟ ونعني هنا القرارات التي تمس حياتهم وأمنهم ومستقبلهم، ومن المؤكد أن أعضاء في مجلس النواب هم مثلنا نحن المساكين تفاجؤوا بالبيان الهادر الذي اصدرته قيادة عمليات بغداد ، في معظم الخطوات التي يتخذها رئيس الوزراء فان الذين يعرفون ببواطن الامور وبما سيصدر من قرارات هم فقط مجموعة صغيرة من الدائرة الضيقة المحيطة بالسيد المالكي ، بعد ذلك سيجد اي قرار مهما كان مصيريا طريقه للاعتماد عبر تصريحات من المقربين يهللون ويطبلون ويعتبرون ما حدث انجازا سيضاف الى الانجازات الكثيرة التي ارهقت المواطنين خلال السنوات الماضية.
ندرك جيدا أن الحكومة تتعامل بعشوائية مع ملفات خطيرة ومهمة ،و تتحرك بلا أي إستراتيجية أو منطق وبلغت بها قلة الحيلة أنها صارت تخترع لنا كل يوم عدوا جديدا كي تلهينا عن العدو الحقيقي، وصارت معظم تصريحات المقربين من رئيس الوزراء تثير المشاكل والأخطر غضب الناس .
ان قراءة سريعة لمجريات الأحداث في الأيام الأخيرة ستوضح لنا أن القوى السياسية إذا لم تتوافق فيما بينها فإننا ذاهبون ــ لا قدر الله ــ إلى كارثة محققة.
السيد المالكي ليس امامك اليوم من طريق سوى ان تجلس مع القوى السياسية الاخرى وان تتفق معهم على القواعد التي تحكمون بها البلاد وحسب الدستور الحقيقي ، لا الدستور الذي في مخيلتك ، لأن البديل لا يمكن تخيله وقد يجر الجميع الى طريق لن ينفع فيه الندم أبدا.