Alan Philps

منذ سنتين، كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يُعتبر بطلاً في عواصم عربية كثيرة، أما الآن، فقد حصل العرب على أبطالهم المحليين، وكذلك، كشف سعي إيران الواضح إلى تحقيق مصالحها الخاصة في الشأن السوري عن أنّ خطابها الثوري هو فارغ المضمون فعلاً.
منذ أن أصدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريرها الأخير عن طموحات إيران النووية، ركّز الجدل القائم على خيارين محتملين: تعزيز العقوبات الدولية على إيران أو شن اعتداء عسكري على منشآتها النووية.
بدأ خيار العقوبات يفقد فاعليته منذ الآن، فقد استبعدت روسيا فرض عقوبات إضافية في الأمم المتحدة، وقالت إن هذه العقوبات ستُعتبر ldquo;أداة لتغيير النظام في طهرانrdquo;.
يمكن أن تفرض واشنطن عقوبات إضافية مثل تكثيف الضوابط على سفر أعضاء من النظام، لكن لا أحد يتوقع أن تنجح هذه التدابير في وقف مسار إيران.
في المقابل، طرح المتشددون في واشنطن خياراً أكثر صرامة ومحفوفاً بالمخاطر يقضي بتدمير الاقتصاد الإيراني من خلال مقاطعة البنك المركزي الإيراني، وسيؤدي هذا الخيار إلى شل قطاع تصدير المواد الخام الإيرانية ورفع أسعار النفط في سوق ضيقة أصلاً، وقد يوجه ضربة موجعة ستقضي على الآمال بإعادة إحياء الاقتصاد العالمي.
بالنسبة إلى خيار الضربة العسكرية، وبعيداً عن الغطرسة التي يبديها الإسرائيليون بهذا الشأن، يصعب إيجاد تحليل عسكري جدي يعتبر أن عمليات القصف ستحقق أكثر من تأخير تقدم إيران نحو إتمام مشروع تصنيع الوقود النووي. لا شك أن أي اعتداء مماثل سيؤدي إلى إفلاس القيادة الإيرانية التي تعجز في الوقت الراهن عن تنفيذ الخطوة الأخيرة لتصنيع سلاح نووي.
لا يرغب الرئيس باراك أوباما في شن حرب جديدة من شأنها إيذاء المصالح الأميركية في الشرق الأوسط من دون التأكد من فرص الفوز أو تحديد استراتيجية واضحة لإنهاء الحرب.
منذ سنة، كان المستقبل يبدو واعداً بالنسبة إلى إيران، فقد كانت تطمح إلى ترسيخ نفسها كقوة إقليمية ناشئة، وبحلول نهاية هذه السنة، ستنسحب القوات الأميركية من العراق، ما سيمنح طهران حرية مراقبة حكومة عدوّها القديم. في غضون ذلك، تستعد القوات الأميركية لمغادرة أفغانستان الواقعة في شرق إيران، ما سيعزز سلطة طهران في ذلك البلد أيضاً.
منذ بضع سنوات، قيل إن إيران كانت محاصرة من الدول العميلة للولايات المتحدة، لكن من المتوقع أن تتحرر من ذلك السجن قريباً وأن تتحول إلى قوة مركزية قادرة على تحديد مصيرها بدل أن تعيقها تلك الدول.
ربما بدا هذا السيناريو مقنعاً في السنة الماضية، أي قبل اندلاع الثورات العربية، ولكنه يبدو مستبعداً اليوم، فقد بدأت تتغير معالم العلاقة بين إيران وحليفتها في سورية حيث تقمع الأقلية الحاكمة الثورة الشعبية.
منذ سنتين، كان الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يُعتبر بطلاً في عواصم عربية كثيرة، أما الآن، فقد حصل العرب على أبطالهم المحليين. كذلك، كشف سعي إيران الواضح إلى تحقيق مصالحها الخاصة في الشأن السوري عن أنّ خطابها الثوري هو فارغ المضمون فعلاً.


حققت الثورة الإسلامية الإيرانية في عام 1979 إنجازاً مهماً تمثل بنشر خطاب مسلم عالمي كسب دعماً شعبياً في أنحاء العالم الإسلامي، لكن سرعان ما طغى الخطاب المعادي للولايات المتحدة على واقع أن البلد يخضع لحكم ديني شيعي.


من خلال دعم الرئيس بشار الأسد ومعاداة المحتجين، يبدو أحمدي نجاد الآن رجلاً منافقاً بقدر بعض القادة الآخرين، لكن لا شك أن طهران لم تغفل عن حرق العلم الإيراني في سورية، لذا حاول أحمدي نجاد تعديل موقفه، فعرض التوسط بين النظام والمحتجين في حال أُجبر حليفه على التنحي، لكن تبقى الحقيقة واضحة: سيشكل إسقاط سلالة الأسد ضربة موجعة في وجه النفوذ الإيراني في المنطقة، وسيكون استمرار حملة القمع التي تشنّها قوى الأمن السورية ضد المحتجين مصدر حرج دائم لإيران.
بناءً على ذلك، لم تعد إيران في موقع مريح، بينما تستعد القوات الأميركية لمغادرة العراق، يسهل أن نتوقع تجدد التوتر الطائفي بين السنّة والشيعة، فقد أُجبرت حكومة الرئيس نوري المالكي على زيادة اتكالها على داعميها الإيرانيين، وبما أن الدول العربية السنّية المسلمة تدعم العراقيين السنّة، قد تنشأ حرب أهلية في نهاية المطاف.


قد تحن إيران قريباً إلى الزمن الذي كانت فيه الولايات المتحدة تتحكم بزمام الأمور، حين كان دور إيران يقضي بالتحرك من وراء الكواليس ومن دون لفت الأنظار بدل تحمل مسؤولية ما يحصل.
كذلك، من المستبعد أن يحل السلام في أفغانستان حين ينسحب الأميركيون بعد عشر سنوات من الحرب، بل من المتوقع أن يزيد تدخل إيران في ذلك البلد وأن ترتفع الأعباء المترتبة على دعم اللاجئين الأفغان.
لقد أدرك الأميركيون، انطلاقاً من تجربتهم المكلفة، أن حيازة الإمكانات النووية لا تفيد في ساحات المعارك.
على صعيد آخر، ليست إيران قوية اقتصادياً، فقد بلغ معدل التضخم فيها مستويات قياسية، وتواجه الحكومة صعوبة في حم

اية الفقراء من تداعيات زيادة أسعار الغذاء التي ارتفعت بنسبة تصل إلى 50% في السنة.
منطقياً، يُعتبر التواصل مع إيران الطريقة الوحيدة لتجنب الانجرار نحو الفوضى، لكن من السذاجة أن نظن أن الأمر سيكون سهلاً، فمنذ عهد الشاه، لطالما سعت إيران إلى التحول إلى قوة مسلحة نووياً، لكن تراجعت أهمية هذا الهدف خلال سنوات حكم آية الله الخميني.
لن يتخلى أي قائد إيراني عن هذا الهدف، ولن يحدث ذلك في هذا الزمن تحديداً مع اقتراب مرحلة استبدال أحمدي نجاد ووسط اشتداد الخصومات ضمن معسكر المحافظين الحاكمين، وكذلك، ليس الوقت مناسباً في الغرب لأن أوباما يواجه استحقاق إعادة انتخابه قريباً بينما يشعر الاتحاد الأوروبي بالصدمة بسبب أزمة اليورو.
لكن لا خيار بديلا عن عقد المحادثات مع إيران، وتحديداً حول شروط تخصيب اليورانيوم مستقبلاً ومصير المواد التي خصبتها حتى الآن. فشلت هذه المحاولات في الماضي أو تأجلت بسبب المناورات الإيرانية المألوفة بينما كانت إيران تتابع حشد قدراتها النووية.
لقد ازداد وضع المنطقة تعقيداً بالنسبة إلى جميع الأطراف، وتحديداً إيران نظراً إلى تحالفها مع سورية التي تواجه تدهوراً اقتصادياً هائلاً. قد لا ينظر النظام إلى الوضع بهذه الطريقة وقد يعمد إلى تصعيد المواجهة مع الولايات المتحدة لتحويل الأنظار عن مشاكله المحلية. لكن ستؤدي جميع الخيارات البديلة عن مقاربة التواصل إلى نتائج أسوأ بالنسبة إلى إيران وجميع القوى الإقليمية.