عبدالله غانم العلي المعاضيد

عندما يعجز الاقتصاديون والسياسيون عن فهم ثقافتنا الإسلامية التي تحتم علينا ضرورة نجدة إخواننا في العروبة والدين، فإنهم ينظرون إلى ليبيا على أنها غنيمة سيتم تقسيمها على من قدم الدعم لليبيين في وقوفهم ضد الطاغية المستبد الذي عطل التنمية والنمو لأكثر من أربعين سنة، وما أن تحقق الهدف وفرح المسلمون بهذا الفتح والنصر العظيم، حتى تعالت أصوات كانت سابقاً متشككة في الثورة نفسها وفي نوايا من يدعم الثورة والثوار، هذه الأصوات بدأت تعزف على وتر جديد، فخرجت بعناوين لا ترضي الله ولا رسوله في تسمية ليبيا الثورة، ليبيا الحرة، بالغنيمة، وأخذت تحسب حسابات تقسيم غنيمة ليبيا.. فهل ليبيا غنيمة، وهل دماء شهداء من سقطوا على التراب الليبي الطاهر من ضمن الغنائم؟
في الوقت نفسه تجدهم يتغنون بعطاء وارن بوفت وبسخاء بل غيتس وبأوقاف أوبرا ونفري، وبأن نشاطهم هذا ينبع من إيمانهم بوجوب مساعدة المحتاج والمضطر، ولكن إذا جاء الكلام علينا نحن العرب، فإن الميزان يختلف، ويبدأ التشكيك في النوايا وربطها بأهداف مادية اقتصادية بحتة. وصدق المثل القطري القائل: laquo;كل يرى الناس بعين طبعهraquo;.
إن إعانة الأخ وإغاثة الملهوف نابعة من عمق ثقافتنا القطرية المنبثقة من الثقافة العربية والتي جاء الإسلام وأكد عليها، فحديث المصطفى صلى الله عليه وسلم: laquo;من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعلraquo; يقطع الشك باليقين. إن موقف سمو الأمير وولي العهد -حفظهما الله- من الثورة الليبية ودعمهما لها، يستطيع أن يفهمه كل عربي مسلم، تجرد من الحقد والحسد، وابتعد عن الخوض في النوايا كما أمره الله سبحانه وتعالى.
ولكن نقول لكل من لم يفهم حتى الآن ثقافتنا العربية الإسلامية، إننا سنخاطبك بثقافتك المادية لعلك لا تفهم إلا هذه اللغة، فكيف تربط وقفة قطر مع إخوانها في ليبيا من أجل الحصول على جزء من الغنيمة الليبية؟ فأولاً ليبيا ليست غنيمة، وثانياً إن قطر ولله الحمد قد تخطت لكسمبورغ واحتلت المرتبة الأولى عالمياً كأغنى دولة في العالم، وما لنا في حلال إخواننا الليبيين ونحن في خير ونعمة بفضل من الله سبحانه وتعالى ثم بفضل سياسات واستراتيجيات ورؤى حكيمة من سيدي سمو الأمير، ومن ناحية الاستثمارات الخارجية، فإن قطر قد وزعت استثماراتها على قارات العالم كله وتحصلت على أفضل الفرص في أوروبا وبريطانيا خاصة، وتوجت بشراء متاجر هارودز في لندن، وهذا إن دل فإنه يدل على أن قطر ليست لديها مشكلة في توظيف استثماراتها أو أين تضعها، ومن ناحية أخرى فإن ليبيا لا تمثل سوقاً لصادراتنا حتى نطمع بها، خاصة النفط والغاز، فليبيا دولة نفطية لا تحتاج إلى الغاز القطري، وأما صادراتنا من البتروكيماويات والأسمدة الكيماوية فمن المؤكد أن ليبيا ليست دولة زراعية حتى نجد فيها غنيمة لإغراقها بمنتجاتنا.
إن كل ما في الأمر وبغاية البساطة التي لن ولم يفهمها الكثيرون ممن طغت الماديات على عقلياتهم، أننا في الخليج وفي قطر قد عرفنا معنى الرخاء والرفاهية التي يجب أن يتمتع بها المواطن، وهذا لم يكن متوفراً لإخواننا الليبيين في دولتهم النفطية الغنية، مما حدا بالإخوة في ليبيا للوقوف في وجه الظالم المستبد، وعندما أوغل في القتل استنجد الأخ بأخيه في العروبة والإسلام، وما كان من سيدي سمو الأمير إلا أنه انتخى نخوة العربي المسلم، نخوة ليست بغريبة عن تاريخنا الإسلامي العريق، نخوة سنها المعتصم عندما لبى وامعتصماه التي ظلت سنوات وعقودا تبحث عمن يجدد دماءها، ليعود لنا جزء من تاريخنا الإسلامي المجيد.