أبو الحسن بني صدر
لعبت الثورة التونسية دورا كبيرا في العالم العربي والإسلامي. وذلك من خلال إزالة الحاكم الطاغي الذي كان العقبة الرئيسية في طريق الديمقراطية. حيث فتحت هذه الثورة مستقبلا واعدا، وذلك للقضاء على الحكم الاستبدادي المدعوم من الحكومات الأوروبية والعربية في هذه الأوضاع الراهنة.
كما نرى في المظاهرات المتزايدة في مصر إنما هو محاولة لطرد الفاسدين الذين لعبوا دورا في القضاء على الشعوب وتقييد حريتهم. إنما هو رسالة الثورة التونسية إلى أن حياة الاستبداد لا تطاق في هذه البلدان. إن مثل هذه المظاهرات إنما هي شرعية وطنية قومية وليست مرتبطة بأي ذريعة غربية أو أجنبية كما هو الحال في الغزو الأميركي على العراق.
ومن خلال تجربتي الشخصية، فإن هذه المظاهرات تحاول فتح مستقبل تسوده قيم الديمقراطية والقضاء على الدكتاتورية. ومن أجل خلق وتحقيق الديمقراطية في ربوع البلاد، لا بد من مراعاة العديد من الشروط:
أولا: من خلال القيام بالعديد من المظاهرات والثورات التي تهدف إلى تفكيك النظام الدكتاتوري السابق وإعادة بنائه ضمن هيكلية مناسبة للشعوب. كما حصل في الثورة التونسية، التي ثارت ضد الرئيس التونسي زين العابدين بن علي. ومن هذا المنظور، يجب على الثوار والمتظاهرين عدم القبول بأي مفاوضات لتشكيل حكومة ائتلافية، بل عليهم أن يمارسوا حقهم في انتخاب رئيسهم الجديد.
ثانيا: ينبغي على الثورة أن تكون ضد النظام المستبد كاملا بما فيه السلطة التنفيدية والقضائية والتشريعية. والقضاء على النظام السابق كاملا وليس فقط تغيير الشخصيات.
إضافة إلى ذلك، يجب على الناس الذين ليس لهم خبرة في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية أن لا يتخذوا أي شخصية من معالم النظام السابق لأن هذا سيؤدي إلى إعادة بناء النظام السابق. كشخص خبير في تاريخ الثورة الإيرانية التي حدثت عام 1979، أدعو الناس إلى الانتباه في اختيار ممثلين ليس لديهم أي علاقة مع النظام السابق، وذلك لعدم انتخاب أي شخصية لها علاقة مع النظام السابق.
وعلى المتظاهرين أن لا يعتمدوا في أعمالهم على أي منظمة سياسية خارجية كانت أم داخلية. بل وعلى العكس يجب أن يجعلوا وجودهم منتشرا في جميع أنحاء البلاد، والحث على تشكيل مجالس ثورية محلية تدعمهم. وعلاوة على ذلك، يجب أن لا يكتفي المواطنون في البحث عن شخصية قيادية لتولي زمام الأمور، بل عليهم المساهمة الفاعلة في تطوير مهارات القيادة والمشاركة في النقاش والعمل مع الآخرين لخلق مجتمع مثالي تسوده المساواة.
إضافة إلى ذلك، يجب على المواطنين عدم التخلي عن كل نظام تابع للدولة، لأنه سوف يكون مليئا بالمنظمات السياسية التي ستعيد بناء الممارسات القمعية. حيث يجب على المواطنين المشاركة في بعض القضايا التي لا بد من معالجتها وفي النهاية تشكيل دولة ديمقراطية غير دكتاتورية.
ومن ناحية أخرى، يجب على المنظمات السياسية الالتزام بالقيم الديمقراطية التي تساهم في إزالة العنف بين المواطنين. ويجب عليهم أن يكونوا يدا واحدة ضد أي انتهاك للفرد أو المجموعة من قبل الدولة. ولقد لعبت الثورة الإيرانية في ذلك الوقت بارتكاب سياسة القمع والافتقار إلى الديمقراطية، وساهمت في تفكيك طبقات المجتمع الإسلامي والعربي.
وفي أول ثورة سلمية في القرن الحادي والعشرين في هذا البلد الإسلامي، لعب المثقفون وعلماء الدين دورا مهما في تطوير واستقطاب الحرية، وذلك من خلال الدفاع عن حقوق الإنسان بغض النظر عن الدين أو الجنس. فعلى سبيل المثال، انتشر بعد الثورة الإيرانية انتهاك الحريات وحقوق الإنسان وارتكاب جرائم ضد البشرية وانتهاك حقوق الأبرياء.
وعلاوة على ذلك، يجب الدفاع عن حقوق جميع المواطنين الذين مورست بحقهم جميع أشكال القمع والفساد من قبل النظام الذي كان سائدا في تلك الفترة. ومن هذا المبدأ يتم ظهور قيم المساواة في الحقوق والواجبات بين جميع أفراد الشعب الواحد. وكما رأينا وكما يمكن أن نراه في الأيام القليلة القادمة، إذ ربما تلجأ السلطة إلى أساليب العنف والترهيب والاستبداد، وذلك من أجل فرض سيطرتها على المجتمع كاملا وحتى يصبح هذا المجتمع فريسة سهلا للقضاء عليه وتقييد حريته.
ومن أجل درء الظلم والعنف عن الشعب، يجب إعادة تنظيم قوات الأمن القائمة بحيث تكون مبدأها الديمقراطية وسيادة القانون بين الناس جميعا.
ومن خلال الرجوع إلى الثورة التونسية، أظهرت الثورة أنها تستطيع أن تحقق جميع أهدافها وأرائها من دون اللجوء إلى أي قوة أخرى مثل آية الله الخميني. لكن هذا لم يتم في غضون أسابيع قليلة، بل من الواجب على الثورة الجماعية في الكفاح والنضال المستمر عبر العديد من السنوات وعدم الرضوخ لأي عقبة تواجههم مهما كانت من أجل استعادة حريتهم وأهدافهم.
* أول رئيس لإيران بعد الثورة الإيرانية التي أطاحت بالشاه في 1979.. وهو حاليا يعيش في المنفى بباريس
* خدمة laquo;غلوبال فيوبوينتraquo;
التعليقات