خالص جلبي
إيران سوف تصل لامتلاك السلاح النووي لو سرَّعت برنامجها النووي، ويجب اعتبار أنها وصلت! وإذا سمعنا دمدمة الجبال يوما في باميان فهو تحصيل حاصل. وحسب (ديفيد البرايت David Albright) وهو مراقب تفتيش سابق لأسلحة الدمار الشامل أن إيران قامت بتحويل 37 طنا من خام اليورانيوم إلى نوع هيكسافلوريد وهو يكفي لصناعة خمس قنابل نووية صغيرة. ولكن بداية الرحلة سوف تنتهي كما انتهت على يد غيرها؛ فأمريكا بدأت الرحلة في 16 يونيو 1945 م بالقنبلة الانشطارية وكانت قناعة رئيس المشروع العسكري (ليزلي جروفز) أن روسيا لن تلحق بها حتى ربع قرن. ولكن الفطر النووي حلق في أعالي صحراء سيما بالاتنسك من كازاخستان عام 1949 م.
وكانت فكرة (نيلز بور) الفيزيائي الدنماركي أن السلاح النووي يجب ألا يكون حكرا بين يدي دولة بعينها. وهو تصريح جعل تشرشل يرى فيه خائناً أعظم وفكر في اعتقاله؟ولكن ما ثبت أن رؤية الرجل كانت ثاقبة وتسربت أسرار السلاح النووي من نفس علماء (لوس آلاموس) حرصا منهم ألا يبقى هذا السلاح حكرا على أمريكا فيتوازن العالم. ولم تتوقف رحلة التسابق النووي عند جيل بل استمرت الأجيال تتوالد مثل ذرية الشيطان الرجيم فولدت القنبلة الالتحامية الهيدروجينية ثم النترونية، وفي يوم فجر الروس قنبلة زادت عن قنبلة هيروشيما بألف مرة. وفي يوم كان هناك أكثر من خمسين ألف رأس نووي في العالم. وحسب شهادة (لي بتلر) الخبير النووي الأمريكي التي صرح بها لمجلة الشبيجل الألمانية أنهم كانوا يلعبون لعبة الروليت الروسية ونجا العالم صدفة. ونحن نعلم عن طريق وزير الدفاع الأمريكي الأسبق ماكنمارا أن 12 يوما من أكتوبر في أزمة كوبا كانت أياما نحسات، كان يمكن أن تندلع منها حرب نووية، ونجا العالم مرة أخرى بالصدفة، أو بكلمة أدق بلطف الله الخفي؟
ومن أجمل العبر في السلاح النووي وأدعاها للدهشة والتناقض هي أن السلام ولد من أتون الحرب؛ فقنبلة هيروشيما وناجازاكي لم تتكرر في أشد الظروف حلكة لا في حرب كوريا ولا أزمات الشرق الأوسط ولا حصار كوبا.
وعندما طلب (ماك آرثر) تزويده بـ 26 رأسا نوويا لإنهاء الحرب الكورية كلفه هذا أن يستقيل؛ فالسلام أهم من حماقة جنرال. وهذه النهاية السعيدة أن يزحف السلام على الأرض هو حلم الأنبياء والفلاسفة من القدم، وبدأ يتحقق على رغم أنف العنفيين.والعالم اليوم رجلاه في الطين ينتسب للعالم القديم في الجنوب، ورأسه في الشمال يشم رائحة الديموقراطية، ويتقدم إلى المستقبل بقوة فيصل إلى كوكب تيتان في زحل، ويحطم الزمن إلى الفيمتو ثانية، ويفك الكود الوراثي، ويرسو عند الأوتار الفائقة في العالم دون الذري. ولو امتلكت إيران السلاح النووي فهي لن تحقق أكثر ممن سبقها في هذا الطريق، سوى أنها تشبه من يذهب إلى الحج والناس راجعة منه؟ وهو عملياً ينجز بتكاليف خرافية يحتاجها المواطن الإيراني الفقير المعتر غير القانع؟ والأخطاء البشرية كثيرة واحتمال نهاية العالم بحرب نووية وارد؛ فالعقل العلمي مفتوح لكل الاحتمالات، وليس من ضمانة لأي شيء.وكل الكتب المقدسة تكلمت عن نهاية بئيسة للعالم فتنشق السماء فكانت وردة كالدهان.
وهذه الوردة تشبه الفطر النووي تماما.
التعليقات