سميح صعب

يفرض التغيير الذي شهدته تونس وتشهده حالياً مصر واليمن والجزائر والاردن، على الولايات المتحدة إجراء تقويم جديد لسياسة استمرت عقوداً. فقد سقطت الركيزة التي سادت لعقود، ألا وهي التضحية بالديموقراطية والامور المطلبية المحقة للشعوب مقابل الحصول على استقرار هذه الانظمة. إذ بات على واشنطن اليوم البحث عن معادلة جديدة في التعامل مع دول لا تزال محسوبة على صداقة اميركا إنما بتركيبة حكم مختلفة.
وما تحاول اميركا استدراكه اليوم من طريق إصرارها على الرئيس المصري حسني مبارك بأن يبدأ في نقل السلطة quot;الآنquot;، هو ان تبعث برسالة الى المعتصمين في ميدان التحرير والى كل المعارضة المصرية، بأن واشنطن تشارك ايضاً في عملية التغيير وبأنها مستعدة للتعاون مع كل المناوئين للنظام الحالي. وهذا ما يوحي به الاعتراف الاميركي بدور حتى لجماعة quot;الاخوان المسلمينquot; في المرحلة المقبلة.
لكن الاطار الاشمل الذي تسعى واشنطن الى النظر من خلاله الى الامور لا يلاقي تجاوباً مماثلا من النظام المصري على رغم ترنحه، إذ لا يزال محجماً عن الاعتراف بدور للقوى السياسية الاخرى في البلاد وبينها quot;الاخوانquot; إلا بالقدر الذي يراه هو مناسباً.
لكن العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني بن الحسين كان اسرع في التقاط النيات الاميركية الجديدة، فجلس للمرة الاولى مع قيادات الحركة الاسلامية في البلاد، ووعدهم باصلاحات في غضون اسابيع. كذلك سارع الرئيس اليمني علي عبدالله صالح الى التبرؤ من السعي الى البقاء رئيساً مدى الحياة او العمل لتوريث نجله من بعده عام 2013 ودعا المعارضة الى حكومة وحدة وطنية. والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة مشى مع الموجة واعداً بإلغاء قانون الطوارئ في وقت قريب واعترف بالاخطاء التي حصلت لدى قمع المحتجين على الوضع المعيشي الشهر الماضي اقتداء بالتظاهرات التي جرت في تونس.
أما في مصر، فكان جواب مبارك على الذين يدعونه الى الاسراع بنقل السلطة من اجل احتواء التظاهرات، بأن من شأن ذلك ان يقود الى الفوضى. وربما هذه المرة الاولى منذ 30 عاماً التي ينشأ فيها سوء فهم بين واشنطن والنظام المصري.
اميركا تريد التعجيل بالاصلاحات كي تبقى مطالب المتظاهرين محصورة في القضايا الاجتماعية، وان لا تتوسع الى القضايا الوطنية التي ستسبب ارباكاً شديداً للولايات المتحدة، لأن الامر سيتعلق عندها بالعلاقات المصرية-الاسرائيلية ودور مصر في الصراع العربي-الاسرائيلي. وهذا ما تحاول ادارة الرئيس الاميركي باراك اوباما تجنبه.
وتدرك واشنطن ان عناد مبارك ومماطلته في التخلي عن السلطة من شأنه ان يوسع قاعدة المطالب للمتظاهرين، بما ينقل التحرك الجاري في الشارع الآن الى أبعاد لا تريد الادارة الاميركية فتح ملفاتها مطلقاً. وهي ترى ان الاسراع في تلبية المطالب الاجتماعية والاصلاحية من شأنه ان يجنب الانتقال الى المطالب الوطنية والبحث عن دور مصر في القضايا الاقليمية.
من هنا، هذا الالحاح الاميركي على مبارك كي يتنحى، فيما هو يراهن على الوقت كي تتوسع قاعدة المعارضين له كي تشمل المطالبة بإعادة النظر في التزامات مصر الدولية ومنها العلاقة مع اسرائيل واميركا. وهو يعتقد ان مثل هذا الامر يجعل واشنطن تعيد حساباتها وتكف عن مطالبته بنقل السلطة او باصلاحات سياسية.
لكن ربما تأخر مبارك كثيراً في العودة الى لعب ورقة قديمة وهي التلويح باستلام quot;الاخوان المسلمينquot; للسلطة وما سينتج عن ذلك من تأثير على التزام مصر معاهدة كمب ديفيد او الاستمرار في علاقات مميزة مع الولايات المتحدة، فالادراة الاميركية تريد ايضاً الحفاظ على معاهدة كمب ديفيد وتريد ايضاً الحفاظ على مصالحها في مصر، لكن من نظام أقل اهتزازاً.