زيّان

هل كان من المتوقَّع في عواصم القرار، والعواصم القريبة من النظام المصري، أن يستجيب الرئيس حسني مبارك فوراً وبلا أي تردَّد أو ممانعة لدعوة quot;ثورة الغضبquot; وquot;المقيمينquot; في ميدان التحرير، فيحزم حقائبه ويمضي الى عطلة طال انتظارها له خارج قصور الحكم التي أمضى داخلها ثلاثين سنة، بنهاراتها ولياليها؟
يطرح هذا السؤال نفسه حين يتابع المراقب المحايد التطورات الدراماتيكيَّة المتسارعة في مصر، والتي فاجأت بانزلاقها العنفي حتى قيادات القوى المسلَّحة، والأحزاب السياسيّة، وأجهزة الإعلام بكل وسائلها وحساباتها.
كأنه البركان الذي ينفجر للمرة الاولى.
وفي مكان وزمان لم يخطرا في أيٍّ بال، ولا في أي احتمال. من قريب أو بعيد.
لسبب ما من جهة، وخوفاً على مصر ودورها وحجمها، كان كثيرون من المصريين والعرب والأجانب يراهنون، منذ غياب مبارك عن quot;السمعquot; ولأيَّام كان الغضب خلالها يلتهب ويتأجّج، أن يطلَّ quot;الرئيسquot; حاملاً بيمينه رسالة استئذان الى المصريين، راسماً على وجهه ابتسامة الوداع، طالباً من الجميع الالتفاف حول مصر، وصون وحدتها، والسهر على تطوّرها وتقدمها.
لكنه لم يفعل.
بل لجأ الى ما يمكن وصفه باعلان التحدي، واشهار غضب تمثَّل في التمسُّك باكمال ولايته الدستوريَّة حتى آخر دقيقة، ملوّحاً ببعض الاصلاحات التي تبقى مجرَّد كلمات على الماء، أو حبر على ورق.
فاندلعت الشرارة التي قال عنها نائب الرئيس عمر سليمان إنها أوقدت النار تحت قدْر الاصلاح، وشحذت الهمم، وفتحت العقول والانظار على واقع قاس، وصعب، وغير مقبول، من كل الجوانب، وعلى مختلف الصعد.
واندلعت الأسئلة القلقة: مصر، الى أين؟ الى الجيش مرة أخرى، أم الى الحرية؟
ما سيحصل اليوم في quot;جمعة الرحيلquot;، سيبقى هو العلامة أو الاشارة الجديدة، وهو الذي سيدل على المفترق الذي ستسلكه الأحداث في مصر، وعلى الخطوات والمواقف التي قد يجد الرئيس المصري نفسه مضطراً الى الاقدام عليها، كما قد تجد القوى المسلَّحة أن دورها قد حان وقته.
إلا أنَّ ذلك لا يمنع من الاضاءة على ما انجزه هؤلاء الشبان quot;المقيمينquot; بعناد وايمان في ميدان التحرير، وبالاعتراف لثورة الغضب انها أنهت مرحلة طويلة غير مضيئة في تاريخ أم الدنيا، ووضعت حداً قد يكون نهائياً وأبديّاً لنوع من حكم الشخص الواحد، وتحت راية الجمهورية واسمها فيما التصرف والسلوك يتبعان راية الملكيّة ومراسمها.
بالغ مبارك في quot;شخصيّةquot; الحكم والدولة والسلطة، حتى بدت مصر في سنيّها الأخيرة كأنها تابعة لأحد السلاطين الخارجين من كتاب quot;ألف ليلة وليلةquot;.