سركيس نعوم

لم تكن الولايات المتحدة، سواء في عهدي quot;المحافظين الجددquot; وباراك اوباما مغرمة بالرئيس المصري حسني مبارك وبسجل نظامه. وكانت لها في العهدين quot;كباشاتquot; مهمة معه وضغوط مباشرة عليه بغية اقناعه بتوجيه نظامه نحو الديموقراطية وإن تدريجاً تلافياً لمواجهته ونظامه تطورات غير محسوبة كالتي تشهدها بلاده منذ quot;25 ينايرquot; الماضي يمكن ان تقلب الاوضاع في مصر وتُهدِّد جدياً المصالح الحيوية الاميركية في الشرق الأوسط.
لكن الولايات المتحدة لم تصل الى حد التآمر على مبارك مع مؤيديه وحماة نظامه وفي مقدمهم الجيش ربما لأنها لم تكن تتوقع الانتفاضة الحالية أو الثورة. وربما لأن مبارك كان quot;شريكاًquot; مخلصاً لها ساهم في تنفيذ الكثير من سياساتها في المنطقة كما ساعد في إحباط المخططات المعادية لها. اما الآن وبعد الذي تشهده مصر منذ نحو اسبوعين فإن الولايات المتحدة بدأت تفيق من quot;الحلم الاستقراريquot; داخل مصر الذي أقنعها به مبارك. فغالبية الشعب تريد رحيله عن السلطة وإسقاط نظامه. علماً ان النظام وراعيه الاميركي يمكن ان يضحيا بالرئيس بغية المحافظة على النظام سلميّاً وإن بوجه جديد يُقنِع الجماهير الغاضبة بحفظ الشراكة الاستراتيجية المصرية ndash; الاميركية والسلام المصري ndash; الاسرائيلي ويعزز دور مصر في مكافحة quot;الارهابquot; الاسلامي الاصولي التكفيري، المؤمن بالعنف وسيلة للتغيير. وهذا ما تحاول اميركا القيام به بمساعدة الجيش بكبار ضباطه. لكنها تبدو مترددة حيناً وعاجزة حيناً وخائفة حيناً، وكل ذلك لا بد ان ينعكس سلباً عليها وعلى نظام مصر المتحالف معها. فالجماهير التي اقتصرت مطالبها حتى الآن على الاصلاح ورحيل مبارك ونظامه قد تبدأ قريباً طرح شعارات جذرية مثل الغاء المعاهدة مع اسرائيل واشهار العداء لاميركا واقامة نظام اسلامي في مصر. والجيش الذي هو ضمان النظام والذي بدا نموذجاً خلال أسبوعين في الانضباط ومسايرة الشعب قد لا يستمر على موقفه هذا، ولا أحد يستطيع ان يؤكد انه لن يتحرك إما لحسابه أو لحساب quot;بلادهquot; أو quot;دينهquot; أو quot;أسلاميتهquot; او جهات اقليمية لها مصلحة في نقل مصر من معسكر اقليمي ndash; دولي الى آخر او في ايقاعها في الفوضى والاقتتال جراء العجز عن ذلك.
لكن ما تحاول اميركا ان تفعله لن ينجح الا اذا حزمت أمرها مع الضامن لنظامها في مصر أي الجيش، وإلا اذا تخلى الاخير عن تردده وأقدم مباشرة على تبني التغيير والاصلاح الذي تنادي به غالبية الشعب. واذا لم يحصل ذلك فإن أحداً من كباره كما من كبار النظام لن ينجو من مصير أسود.
كيف يرى الاميركيون المنطقة بما فيها مصر في ضوء الانتفاضة المصرية المستمرة؟
يتحدث خبراء اميركيون عملوا طويلاً في المنطقة العربية عن رؤيتهم للتطور المرتقب في عدد من الدول العربية المهمة والمؤثرة فيقولون ان ما يجري في مصر لن يحصل في سوريا الأسد. ذلك ان quot;قاعدةquot; حكمها الضيقة اساساً رغم غطاء quot;حزب البعثquot; لها تعرف ماذا سيكون مصيرها اذا خسرت السلطة. وتعرف انها ستواجه اي تحدٍّ جدي لها بالاسلوب نفسه الذي واجهت به تحدي الاخوان المسلمين في أوائل الثمانينات من القرن الماضي.
ويقولون ايضاً ان اسرائيل تراقب بدقة ما يجري في مصر، وتأمل في ان ينجح مبارك أو بالأحرى نظامه في البقاء. وما تقصده بذلك المؤسسة العسكرية بقادتها الكبار. وما يقلق اسرائيل هو حدود مصر مع قطاع غزة الفلسطيني وما يمكن ان يجري عبرها. طبعاً لا يعني ذلك انها على استعداد للمغامرة لكن سقوط نظام مصر وسيطرة الاسلاميين على السلطة قد يدفعها الى quot;المغامرةquot;.
ويقولون ثالثاً ان المملكة الاردنية الهاشمية منيعة جداً على الأقل حتى انجاز تسوية بين العرب واسرائيل. فجيشها quot;القبائليquot; موالٍ للعرش. واذا تطورت التظاهرات فيها الى ما هو اكثر خطراً من ذلك فان quot;ايلول الأسودquot; قد يتكرر سواء كان المستهدفون به اردنيين أو فسلطينيين.
ويقولون رابعاً، ان المملكة العربية السعودية لا تزال آمنة حتى الآن. فالعائلة الحاكمة ستوحد صفوفها عند مواجهة أي تهديد جدي. وعندها ما يسمى quot;الجيش الابيضquot; القوي الذي انشئ اساساً لحمايتها. طبعاً تصبح المملكة في خطر اذا سقط نظام مصر اذ تصبح ساعتها بين خطر ايران الاسلامية الشيعية وخطر مصر (اكبر دولة عربية) الاصولية السنية المتشددة. علماً ان هناك خطراً آخر قد تواجهه هو الصراع على السلطة.
يقولون خامساً، انه اذا سقط نظام مصر وسيطر quot;حزب اللهquot; مباشرة او مداورة على السلطة في لبنان فإن تدخلاً اسرائيلياً قد يحصل. لكن في الوقت الحاضر تكتفي اسرائيل بالمراقبة لمعرفة ماذا ستفعل سوريا الاسد في لبنان بعد عودتها quot;المظفرةquot; اليه. فإذا quot;ضبطتquot; quot;الحزبquot; وأبقت الهدوء جنوباً يمشي الحال. واذا لم تفعل ذلك فإنها quot;ستتصرفquot;. علماً انها تعتقد ان لا مصلحة لسوريا الاسد في ترك لبنان تحت سيادة quot;الحزبquot;.
في اختصار يقول الخبراء الاميركيون انفسهم quot;العالم كله قلق مما يجري في مصر وعليها وكذلك على المنطقة. والمعنيون بها ينفضون الغبار عن المخططات الموضوعة سابقاً ويضعون مخططات جديدة. لكنهم يميلون الى الاعتقاد ان مبارك ونظامه في مأزق. فهما يعتقدان انهما سيربحان quot;المواجهةquot; الحالية. لكنهما قد يكونان مخطئين. أما اذا تنحى مبارك وبوشرت اصلاحات فإن مصر ستتقدم وستبقى في موقعها الاقليمي ndash; الدولي كما سيتعزز دورها لأن الجيش هو المؤسسة الأقوى في البلاد ولأنه ينوي الاستمرار كذلك وإن قضى ذلك quot;بمرافقتهquot; مبارك الى خارج السلطة.