طيب تيزيني

جاء quot;الفيتوquot; الأميركي الأخير في مجلس الأمن، على مشروع قرار إيقاف البناء الاستيطاني في فلسطين، ليطرح سؤالاً بل أسئلة قاسية ومثيرة.

أما ما يمكن أن نعتبره الأول منها، فيفصح عن نفسه على النحو التالي: هل فقدت الإدارة الأميركية، وعلى رأسها أوباما، القدرة على تمييز الأشياء، أم هي - في أساسها البنيوي التاريخي - غير قادرة على إنجاز ذلك، فبغض النظر عن أن طرح التصويت على مشروع القرار تم في المكان المناسب، بعكس ما اعتقد أوباما وآخرون من الأميركيين والإسرائيليين، فإنه فرّط بفرصة هائلة من فرص التقدم إلى الأمام بالملف الفلسطيني أولاً، وبفرصة تعزيز موقفه الرئاسي ليس في العالم غير الأميركي فحسب، وإنما كذلك في الولايات المتحدة نفسها ثانياً، إضافة إلى أنه لو قام بتلك الخطوة (تمرير مشروع القرار المذكور)، لكان حقاً قد استعاد مصداقيته الأخلاقية والإنسانية والسياسية لدى شعوب العالم وشعوب أفريقيا وآسيا بكيفية خاصة.

وفي كل الأحوال، لم يتمكن أوباما من التخلص من قصوره السياسي النظري والعملي.

وثمة أمران آخران أفصحا عن ذلك القصور السياسي، تمثل الأول منهما بعدم قدرته وقدرة مستشاريه على القيام بقراءة تاريخية نقدية سليمة للأحداث العربية الراهنة، وما قد تُفضي إليه من نتائج مهمة عربياً ودولياً.

أما الأمر الثاني، فيتضح في قدرة إسرائيل والقوى الصهيونية العالمية، بالتحالف مع مناصريهم في الكونجرس الأميركي على حصاره ومنعه من القيام - كما يعتقد البعض - بالتعبير عما تمثله بنيته السوسيوثقافية والسياسية، على الأقل في طرف منها من أفكار أولية حاسمة، نعني أفكار التضامن مع شعوب الأرض - ومنها الشعوب العربية - في كفاحها من أجل حريتها واستقلالها وتقدمها، فالشعوب هذه الأخيرة هي الآن في سياق إنجاز هذه المهمة الجديدة العظمى، بعد تفكيكها وتصديعها الحطام التاريخي، الذي حُشرت فيه وحوصرت، فلقد تم هذا، وبدأ الاعتقاد بأن ذلك الحطام أبدي، كما كان يبشر بذلك مستشرقون وعرب.

هذا بالإضافة إلى النظم العربية الأمنية، التي كرست نمطاً من الموت السريري العربي، الذي بدأت الشعوب العربية راهناً تخرج من غيبوبته، ودخلت التاريخ من أبوابه العريضة مجدداً، لقد أخطأ أوباما وخسر صوتاً عربياً قد يصير عملاقاً