سيد أحمد الخضر
يجب أن نقر جميعا بأن تصرفات القذافي ليست مفاجئة لأنه غير معني أصلا بمنطق الإنسانية ولم يجنح يوما لصوت العقل. إن ملك الملوك لم يفعل سوى ما يتوقعه العالم من شخص عز نظيره في الحاضر وفي التاريخ.
إطلاقا لم يأت القذافي بجديد، إنما يواصل نهجا بدأه منذ نصف قرن تقريبا فليس غريبا على القذافي ترويع الآمنين وإبادة الخصوم والزج بالأبرياء في ظلمات السجون. وطبيعي جدا أن ينهي القذافي عصره بالتخريب فلم ينجح طيلة عقود من الزمن إلا في إفقار الليبيين وطردهم من وطن ثري ليعيشوا لاجئين بجوازات سفر مالية وسنغالية بينما تخصص الثروة لجلب المصلين والمريدين. ليس عدلا أن تصف القذافي بأنه دكتاتور ولا طاغية ولا حتى مجرم لأن أصحاب هذه الصفات لم يصلوا إلى مستوى الزعيم فلم يحدث أن قصف رئيس شعبه بالطائرات في وضح النهار، وحتى في الملكيات لم يسجل التاريخ السياسي، على الأقل الحديث منه، أن يضطلع ابن الملك بالملفات السياسية دون أن يحمل صفة رسمية حتى ولو كانت شكلية. وحده ابن القذافي يستطيع مخاطبة الشعب ويعد ويتوعد لأنه فقط ابن ذلك الرجل الذي تتلخص سيرته في ثياب مزركشة بالدماء وخيمة تجول البقاع وصلوات لا تنهى عن فحش ولا منكر.
هذا أولا، وثانيا علينا إدراك أن القذافي لا يملك بديلا غير إبادة الشعب في سبيل الاحتفاظ بما يسميه زعامة العالم ولو كلفه ذلك زوال دولة الليبيين لأن الرجل الذي أهلك الحرث والنسل وقتل الأبرياء في الغرب وفي الشرق ليس أمامه بلد يأوي إليه. لن يتمكن القذافي من اللجوء إلى الغرب لأن الشعوب هناك لا تقبل بأمثاله من اللاجئين خصوصا أن في رقبته دماء الأميركيين والأوروبيين، ولن تتمكن إفريقيا التي كانت تصلي خلف القذافي من استقباله لأن أياً من دول القارة السمراء لا تستطيع مقاومة ضغوط المنظمات الدولية نظرا لحاجة تلك الدول لعون المؤسسات الغربية، ما يغنيها عن التورط من أجل حماية شخص لم يعد زعيما ولا حتى صالحا لإمامة المصلين.. ذات الأمر ينطبق على الدول العربية حيث زال مؤخرا نظاما مبارك وزين العابدين بن علي اللذين كانا يمدان القذافي بالقوة ويمدهم بما لا يملكه من ثروات الليبيين، وهذا ما يفسر حزن الزعيم على رحيل الرجلين. لقد بدا القذافي محاصرا من الشرق ومن الغرب وأيقن أن رياح التغيير الآتية من تونس ومصر كفيلة باقتلاع نبتة التسلط التي سقاها اثنتين وأربعين سنة. كذلك يبدو مستحيلا هروب القذافي إلى السعودية التي يحتفظ له قادتها بذكريات سيئة حيث أوسعهم سباً في قمتين بالدوحة وشرم الشيخ وليست لدى الرجل علاقات طيبة بأي من بقية الدول العربية من المحيط إلى الخليج.
القذافي إذن على حق عندما يقصف المدنيين ويحاصر المدن فليس أمامه من حل آخر، والقذافي على حق أيضا عندما يقول إن المتظاهرين تدعمهم الاستخبارات الأميركية والصهيونية، فقد جرب العيش على خلق العداوات مع الغرب ويريد العزف على هذا الوتر من جديد.. لكن الشعب الليبي محق أيضا ولن تخدعه هذه الحيلة كونه شاهداً على ارتماء الزعيم في أحضان الغرب ويعرف حجم الأموال والتنازلات التي قدمها للأوروبيين والأميركيين.
هي إذن معركة بين طرفين كلاهما على حق بين قائد لا يملك بديلا عن الاستمرار في القتل والتدمير وشعب سئم الخنوع والهوان فقرر الانتقام.. وهنا يعود القذافي غريبا كما بدأ، فبما أنه سيقاتل حتى آخر قطرة دم سيكون laquo;الفيلسوف المفكرraquo; أول رئيس عربي يقتله شعبه لتسجل ليبيا رقما جديدا في موسوعة الحرية وتنتزع احترام الجميع.
التعليقات