فيصل القاسم
قلناها ونرددها مرات ومرات: لو خاض الزعماء العرب انتخابات حرة لما فاز معظمهم بأكثر من واحد بالمائة من أصوات الشعوب، وربما بأقل من ذلك بكثير، أو ربما بصفر بالمائة. ولو كان الخيار للشعوب فربما لن تسمح للكثير منهم أصلاً بخوض الانتخابات على ضوء أدائهم الكارثي سياسياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً.
وبما أن معظم حكامنا يدركون تلك الحقيقة جيداً، فقد عمدوا على مدى عقود إلى اللجوء إلى الاستفتاءات السخيفة أو البيعات أو الانتخابات المفبركة النتائج مسبقاً. وكلنا يتذكر كيف كان الرئيس التونسي الهارب زين العابدين بن علي يختار منافسيه في الانتخابات الرئاسية المضحكة، وكيف كان الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك يزوّر الدستور مرة تلو الأخرى كي يضمن النجاح في الانتخابات مهما نافسه المنافسون.
أما نيرون ليبيا معمر القذافي فقد ابتكر طريقة أكثر سخافة في الضحك على ذقون شعبه، فعين ما يسمى باللجان الشعبية لتنفذ كل إملاءاته حرفياً، بينما راح هو يزعم بطريقة هزلية للغاية بأنه لا يحكم، مع العلم طبعاً أنه كان يتحكم بكل مفاصل الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية في البلاد، لا بل إنه لم يكن بمقدور الحكومة الليبية أن تبني شبكات للصرف الصحي ودورات مياه ومراحيض عامة من دون تدخل القذافي وتوجيهاته ldquo;الثوريةrdquo;.
وبما أن الرؤساء العرب كانوا يعرفون أنهم يفتقدون لأبسط مقومات الشرعية، ولا يتمتعون بأي شعبية تذكر في بلادهم، راحوا ينتقمون من شعوبهم عقداً بعد عقد، وذلك بالإعلان عقب كل استفتاء أو انتخابات بأنهم حصلوا على تسعة وتسعين فاصلة تسعة وتسعين بالمائة من أصوات الناخبين. لا بل إن الرئيس العراقي الراحل صدام حسن أبى إلا أن يفوز بمائة بالمائة من أصوات العراقيين قبيل الغزو الأمريكي لبلاده. ولا داعي للذكر بأن أحد الرؤساء العرب فاز ذات مرة، حسب بيانات وزارة داخليته، بمائة وسبعة عشر بالمائة من أصوات الشعب. وتبين بعد ذلك، أن مجموعة كبيرة من الأخوات والإخوة الأموات قد صوتوا لسيادته. وهذا طبعاً إن دل على شيء فإنما يدل على عظمة الديمقراطية في الجمهوريات العربية التي تمنح حتى الذين انتقلوا إلى رحمة الله حق التصويت والمشاركة السياسية. يا سلام!!
لقد كانت الشعوب العربية تدرك جيداً أن الهالة التي كان الرؤساء العرب يغدقوها على أنفسهم لا تبعث في النفس سوى السخرية والتهكم وحتى القرف أحياناً. فكيف لهؤلاء الفاشلين على كل الأصعدة أن يحظوا بتلك النسب التسعينية إذا كانوا قد أوصلوا بلدانهم إلى الحضيض سياسياً واقتصادياً. يكفي أن نذكر هنا أن النظام الليبي لم يتمكن على مدى أكثر من أربعين عاماً من إدارة فندق، فما بالك أن يدير دولة، فكل الفنادق الليبية التي كانت تحمل أسماء عربية في الماضي تدهورت وانهارت، مما حدا بالسلطات الليبية إلى إسناد مهمة ترميم تلك الفنادق وإدارتها إلى شركات أجنبية. وكذلك الأمر في بقية الجمهوريات، إلا ما رحم ربي. فالحصيلة الاقتصادية والاجتماعية لهؤلاء الرؤساء كارثية بكل المقاييس، بدليل أن الشعوب تهب عن بكرة أبيها لكنسهم إلى مزابل التاريخ بعد أن عاثوا فيها خراباً وفساداً.
لا أصدقاء ولا مدافعين عن معظم الرؤساء العرب بعد أن انفضح أمرهم، وبعدما لم يعد بإمكانهم إجبار شعوبهم على التسبيح بحمدهم قسراً، سوى البلطجية والمرتزقة وقطاع الطرق واللصوص وعتاة المجرمين والميليشيات المستوردة.
لو عدنا إلى سقوط الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، لوجدنا أنه حتى أجهزة مخابراته الرهيبة التي أنفق عليها المليارات كانت أول من تخلى عنه، فهربت كالفئران وتركته وحيداً يصارع الغزاة الأمريكيين. حتى أن كبار رجال الأمن العراقيين قد هربوا من البلاد قبل دخول الأمريكيين إلى البلاد بأيام. وحتى الجيش العراقي تبخر في ليلة ليلاء. وحدث ولا حرج عن الشعب العراقي الذي وقف يتفرج على الجنود الأمريكيين وهم يحطمون تمثال صدام في ساحة الفردوس، وكأنه يقول لهم: بوركت أياديكم، مع العلم، كما أسلفت آنفاً، أن صدام كان قد فاز قبل أشهر فقط بمائة بالمائة من أصوات العراقيين. ومن سوء حظ الرئيس العراقي وقتها أنه لم يكن بمقدوره أن يجند عصابات من البلطجية أو يستورد قطعاناً من المرتزقة كما فعل بعده زين العابدين وحسني مبارك ومعمر القذافي كي يؤمنوا له بعض الحماية بعد أن تركه الجميع وحيداً.
أما الرئيس التونسي المخلوع فقد كان أكثر حذراً، بحيث كان قد تعاقد مع شركة حماية إيطالية مختصة بعد يومين فقط من توليه السلطة في تونس قبل ثلاثة وعشرين عاماً كي تحميه وتخرجه من البلاد حين يثور عليه شعبه، لأنه كان يعرف من البداية أنه مفروض على الشعب. زد على ذلك أن الرئيس الهارب حاول الاستنجاد في الأيام الأخيرة من حكمه ببعض العصابات من صديقه الليبي. لا بل إن البعض تحدث عن وجود جماعات من المجرمين وعصابات القتل كانت تقوم بعمليات إرهابية انتقاماً من الشعب التونسي قبيل سقوط بن علي وبعده لصالح الرئيس وزوجته التي عادت وهددت بعد هروبها من البلاد بإحراق تونس فيما لو لم تفرج السلطات هناك عن أخيها السجين عماد طرابلسي.
وكما أن ابن علي لم يجد من يحميه سوى الشركات الأجنبية والقتلة المدربين، وجد الرئيس المصري المخلوع حسني مبارك أنه لا أصدقاء أو حلفاء للرئيس وقت الشدة سوى البلطجية وأصحاب البغال والجمال الذين لجأ إليه الرئيس المحاصر لعلهم يكسرون شوكة شعبه الثائر. وكلنا شاهدنا موقعة ميدان التحرير الشهيرة حين دخلها عصابات من البلطجية على ظهر الجمال والحمير والأحصنة غير الأصيلة، وراحوا يبطشون بطريقة إرهابية بالمتظاهرين المطالبين برحيل الفرعون. ناهيك عن أن حاشية الرئيس كانت قد أطلقت جماعات من المجرمين والسجناء الخطرين ليهاجموا الناس في بيوتهم ويسرقوا ممتلكاتهم لعل الشعب يعيد النظر في موقفه من الرئيس. وتبين فيما بعد أن كل الذين ظهروا في الشوارع ودافعوا عن مبارك كانوا مجرد حثالة من البلطجية مدفوعي الثمن. حتى إن نظام مبارك حنث بوعده مع البلطجية، بدليل أنهم خرجوا لاحقا في مظاهرة مناهضة للرئيس لأن الحزب الوطني وعدهم بسيارات وشقق سكنية، ثم خلف بوعده معهم، فانفضح أمر تلك اللعبة السمجة. وكلنا سمع إحدى المذيعات المصريات وهي تتهم وزير الإعلام بأنه كان يجمع البلطجية والإعلاميين قسراً كي يخرجوا في مظاهرات مؤيدة لمبارك. باختصار لم يجد الرئيس المخلوع أحداً يناصره أو يدافع عنه عندما جد الجد.
وإذا كان الرئيس المصري عاجزاً عن تجنيد ما يكفي من البلطجية أو حاول ففشل في الحصول على النتائج المرجوة، فإن القذافي بفضل الثروة الهائلة المتوفرة لديه أنفق ملايين الدولارات خلال الأيام القليلة الماضية على استيراد وتنظيم عشرات الألوف من المجرمين الأفارقة. وتتحدث التقديرات عن تجنيد أكثر من خمسين ألف بلطجي إفريقي وأجنبي من داخل البلاد وخارجها. وقد شاهدنا بعض المجرمين منهم على شاشات التلفزيون وهم يعترفون بجرائمهم لصالح للقذافي.
وكانت التقارير قد ذكرت أن القذافي قام بتجريد شرطة العاصمة طرابلس من سلاحها، وأعطاه للمرتزقة الذين جندهم، وذلك خشية أن تقوم الشرطة المدنية بمهاجمة البلطجية وهم ينفذون أوامر القذافي بالاعتداء على الشعب الليبي. وقد لاحظنا أن الجيش والشرطة وبعض أجهزة الأمن الليبية قد انضمت إلى الشعب الليبي تاركة نيرون البلاد يبذر ثروات ليبيا على البلطجية والمرتزقة كي يحموه من غضب شعبه الساطع.
ولا ننسى أن الرئيس اليمني حسب وثائق ويكيليكس كان يستعين بالطائرات الأمريكية وأسلحتها العاتية لضرب الانتفاضات الشعبية في طول البلاد وعرضها. كان يقول للأمريكان: ldquo;اضربوهم وأنا سأقول إنني ضربتهمrdquo;.
هل شاهدتم على مدى التاريخ زعيماً يستعين بالقتلة والمأجورين الأجانب كي ينتقم من أبناء شعبه، أو كي يؤمن حكمه؟ بالطبع لا. لكن ها نحن نشهد كيف حاول ويحاول بعض الطغاة العرب أن يفرض نفسه على أبناء بلدته بالقوة الأجنبية الغاشمة.
أيتها الشعوب العربية لتعلمي أن حكامك لا عزاء لهم غير البلطجية وقطاع الطرق، وأنت قادرة على كنس المرتزقة ونخاسيهم كما فعل الشعب المصري العظيم ويفعل الآن الشعب الليبي الباسل.
التعليقات