فهد الهيلم
يشهد العالم العربي هذه الأيام تحولات كبرى في مسيرته سيكون لها بالغ الأثر في صناعة وتشكيل ثقافة جديدة تكون فيها الشعوب حاكمة ومؤثرة، وجزءا أصيلا من اهتمام ورعاية أصحاب القرار في الحكومات الجديدة... حكومات ما بعد الثورة.
ولما كانت المواقف اليوم في هذا المخاض المعاش تُفرز وتوضح، بل وسيحاسب الجميع على مواقفه، والتاريخ لا يرحم من تخلف عن الركب، أو حتى أؤلئك الذين رسخوا للاستبداد السياسي من حيث يشعرون أو لا يشعرون، لما كان ذلك كذلك أصبح من الواجب اليوم على أتباع المدرسة السلفية أن يقوموا بمراجعة مواقفهم وفق فقه المراجعات، وأن يضبطوا العملية جيداً، فليس من المعقول ولا من المقبول أن يكون أصحاب المنهج السلفي الزاخر بالبطولات والأمجاد، وصناعة التاريخ، والإنكار على الولاة والظلمة، وعدم قبول الباطل، هم أنفسهم الذين يقفون ضد الحراك الشعبي القائم في عالمنا الإسلامي، ويرفضون أن تقرر الشعوب مصيرها بنفسها، وأن تختار من يدير شؤونها.
شيخ الإسلام بن تيمية، والعز بن عبدالسلام، والإمام مالك، وأحمد بن حنبل، كل أؤلئك النفر من سلف الأمة، وغيرهم، عارضوا بعض أطروحات الولاة والحكام، وجلدوا بل بعضهم قُتل من أجل كلمة الحق وهذا الدين، بل كل علماء السلف قد حذروا من الدخول على الولاة والأمراء ومجالستهم حتى لا تميل الفتوى عن هدفها المنشود فتصبح موافقةً لهوى السلطان لا مراد الشرع، ولانهم يدركون أن دور العالم ومكانته أن يكون معبراً عن المصلحة العامة ومصلحة الأمة لا مصلحة النظام على حساب الأمة.
من أجل ذلك لا بد من نشوء المراجعات بين أبناء التيار الإسلامي عموماً، والتيار السلفي على وجه الخصوص، ولا بد من كبح جماح الشرعنة غير المبررة لأفعال بعض الأنظمة المستبدة في عالمنا العربي. الثورة في تونس ومصر وليبيا قد قسمت الثقافة العربية بين مؤيدٍ للاستبداد وآخر رافضٌ له، وللأسف أن الصوت السلفي في بعض ملامحه، وخصوصاً المرتبط منه بالأنظمة العربية، كان داعماً ومؤيداً للاستبداد ما أثر سلباً على مكانة الفتوى ومصداقيتها، والذي أراه أن يتصدى المخلصون من علماء التيار السلفي لظاهرة اختطاف الرأي السلفي، وأن يعيدوه إلى مكانه الصحيح بعيداً عن قصور الولاة والحكام ليكون فعلاً وفق مراد الله، وليعيدوا لنا الثقة بالعلم والعلماء، وهم قادرون على ذلك بإذن الله، ولا بد من نشوء فقه المراجعات وتصحيح الأخطاء، فالأمة لا تصلح بلا علماء السلف المخلصين وبقية علماء الدين الأكارم من كل التيارات، فليس الدين حكراً على السلفيين وإن عنيتهم وخصصتهم بهذا المقال.
التعليقات