صالح عبدالرحمن المانع
أثار مقال نشر في جريدة (جراما) الكوبية قبل عدة أيام، ونقلته بعض المواقع الأمريكية، وتفاعل معه الرئيس الفنزويلي (هوجو شافيز) عن تساؤلات كثيرة حول احتمال تدخل القوات الأمريكية وقوات حلف الأطلسي، خاصة القوات الإيطالية والفرنسية في الأحداث الليبية، إذا تطورت الأوضاع لما يشبه الحرب الأهلية.
والحقيقة أن بعض بلدان جنوب أوروبا مثل إيطاليا، تعتمد على النفط الليبي، وقد استثمرت كثيرا في حقول النفط الليبية، وبنت محطات التكرير لديها لتتواءم مع مدخلات النفط الليبي الخفيف. كما أن إيطاليا أيضا تعتمد على الغاز المصدر من الجزائر، وبالتالي، فإن تعرض أي من البلدين، ليبيا أو الجزائر، لأية اهتزازات سياسية، وعدم استقرار، قد يؤثر ولو مؤقتا على إمدادات النفط والغاز للأسواق الإيطالية، وبقية الأسواق الأوروبية الأخرى.
وقد أقر مجلس الأمن ودول الاتحاد الأوروبي مؤخرا عقوبات اقتصادية على نظام الرئيس معمر القذافي، وجمدت أرصدته وأرصدة أبنائه في البنوك الأمريكية والأوروبية. كما منع قرار مجلس الأمن رقم 1970 تصدير الأسلحة إلى الجماهيرية الليبية، خشية استخدامها من قبل سلطات النظام ضد المتظاهرين من المدنيين.
غير أن مثل هذه الإجراءات، على أهميتها، لن تكون كافية لإسقاط نظام القذافي على المدى القصير. أما في المدى المتوسط، فلن يتمكن النظام من ممارسة عمله لعجزه عن تمويل الإنفاق الحكومي بسبب توقف عمليات إنتاج النفط وتصديره من المرافئ الليبية.
والإشكالية الأخرى بالنسبة للسياسيين الأمريكيين أن هناك عمليات مزايدة يتقاذفها هؤلاء السياسيون في الكونجرس، بين الجمهوريين والديموقراطيين، حول ضعف إدارة الرئيس أوباما في التعامل مع الملف الليبي. وكل ذلك تمهيدا للانتخابات الرئاسية التي ستجري في العام المقبل.
غير أن مثل هذه المزايدات والضغوط لن تسفر عن أي تدخل أمريكي عسكري، أو حتى من قبل حلف الناتو في ليبيا. وقد تقوم بعض الوحدات الأمريكية بعمليات إجلاء للاجئين العالقين على الحدود بين ليبيا وتونس، أو بين ليبيا ومصر. أو أن تقوم بتزويد هؤلاء اللاجئين بما يحتاجونه من أدوية وغذاء وخيام للسكن.
وبالرغم من أن ليبيا تعاني في الوقت الحاضر من مصاعب عديدة، ومن احتمال قيام حكومتين مستقلتين، إحداهما في بنغازي والأخرى في طرابلس، وهو ما قد يعرض البلاد للتقسيم لا قدر الله. وهو ما يحتاج إلى موقف عربي وإسلامي قوي لإيجاد مخرج لهذه الأزمة.
غير أن أي تدخل أمريكي أو غربي في ليبيا ستكون له عواقب استراتيجية وخيمة. فبعد المواقف المخزية للولايات المتحدة ونصرتها لإسرائيل، وموقفها في مجلس الأمن في قضية الاستيطان الإسرائيلي، لم يعد لدى الإدارة الأمريكية الكثير من المصداقية في العالم العربي والإسلامي، بعد أن تحولت نوايا أوباما الحسنة المبدئية في بداية عهده إلى سراب. وأصبح العالم العربي والإسلامي يدرك مدى استكانة الإدارة الأمريكية، خاصة الكونجرس، للإرادة الإسرائيلية المتغطرسة.
ومن شأن أي عمل عسكري تقوم به الولايات المتحدة أو حلف الناتو في ليبيا، أن ينظر إليه في العالم العربي وكأنه عودة جديدة إلى العصر الاستعماري الذي كانت الدول الغربية تهيمن فيه على السلطة ومحاورها في العالم العربي.
وبدلا من أن يكون الربيع العربي مفتاحا لعهد ديموقراطي جديد في المنطقة، فإن مثل هذا التدخل العسكري سيقضي على هذا الربيع ويحيله إلى مسيرة يتزعمها الإسلاميون الجدد الذين يريدون أن يقيموا دولة الفقيه في ليبيا وغيرها من الدول العربية التي مرت بثورات سياسية عارمة.
وفي حال تدخلت قوات الناتو، فإن الشعب الليبي قد يعود إلى الوقوف مع معمر القذافي بصفته مقاتلا ضد الحشود الأجنبية التي تريد احتلال بلاده من أجل النفط، مثلما فعلت في العراق قبل ثمانية أعوام.
لذا، فإن أغلب الظن ألا يتهور القادة السياسيون في الولايات المتحدة ودول الناتو بمثل هذه المغامرة الجديدة، حيث إنهم غارقون في الوقت الحاضر بأوحال أفغانستان والعراق، وفي حال دخولهم في ليبيا فإنهم سيغرقون مجددا في أوحال قريبة من الشواطئ الأوروبية.
التعليقات