مأمون فندي
لماذا فشلت الدعوة إلى التظاهر في السعودية، على عكس ما حدث في الجمهوريات العربية مثل مصر وتونس وليبيا واليمن؟ هذا سؤال أكاديمي يجب ألا يسيس أو تلون فيه الحقائق، وذلك بهدف الوصول إلى إجابة قريبة من الحقيقة. السؤال يحتاج إلى إجابة لأن الحالة الثورية لن تنتهي من العالم العربي ولا من الشرق الأوسط برمته قريبا. في رأيي هناك عدة أسباب رئيسية لذلك، أسباب تخص طبيعة النظام السعودي وشرعيته مقارنة بالأنظمة الأخرى، مصر أو تونس مثلا، وأسباب أخرى تخص الداعين إلى التظاهر ومدى ارتباطهم بالمجتمع، أو وجود قاعدة شعبية لهم، كما كان الحال في مصر وتونس.
كانت المشكلة الحقيقية للأنظمة الجمهورية في مصر وتونس وليبيا واليمن، هي الفجوة ما بين الادعاء والممارسة، التي تؤدي حتما إلى تآكل الشرعية، ومنه إلى التمرد والاحتجاج انتهاء بالثورة. بداية ادعت هذه الأنظمة أنها أنظمة جمهورية، تكون السلطة فيها للشعب، وتتداول فيها السلطة بعد فترتين من الرئاسة.. بل وبالغ الرئيس المصري المعزول حسني مبارك في الادعاء بأن النظام سيكون شريفا، وقال laquo;إن الكفن ليس له جيوبraquo;. لكن الممارسات كانت عكس الادعاءات بصورة فجة وفاضحة. وراحت الأنظمة الجمهورية المفترضة تتصرف وكأنها أنظمة ملكية، تريد نقل السلطة من الآباء إلى الأبناء، من مبارك إلى جمال، ومن صالح إلى أحمد، ومن القذافي إلى سيف الإسلام، ومن بن علي إلى آل طرابلسي.. إذن هي أنظمة ملكية توريثية تدعي أنها جمهورية. كما أن جيوب النظام امتلأت بالفساد، وغاب المعنى في عبارة laquo;الكفن ليس له جيوبraquo;. النظام السعودي لم تكن لديه تلك الفجوة ما بين الادعاء والممارسة في طبيعة نظام الحكم، هو نظام ملكي ويتصرف كنظام ملكي. لم يدع أنه ملكية دستورية، ولم يدع أنه جمهورية، كان الادعاء على قدر الممارسة. وبغض النظر عن رأي المعارض والمؤيد لطبيعة الادعاء وطبيعة الممارسة، لكن الفجوة التي كانت قائمة بين القول والفعل في مصر وتونس وليبيا، واليمن، ليست موجودة في علاقة الحاكم بالمحكوم في المملكة العربية السعودية.
السبب الثاني هو طول فترة الفرد في الحكم، فبينما جدد النظام السعودي شعبيته من خلال قادة جدد يتناوبون على الحكم بتوجهات مختلفة، لم يجدد لا النظام في تونس ولا في مصر ولا في ليبيا ولا اليمن شرعيته، فعلى مدى السنوات التي كان فيها القذافي الحاكم الأوحد في ليبيا ويتداول السلطة مع نفسه، على مدى هذه السنوات ذاتها تعاقب على حكم المملكة العربية السعودية أربعة ملوك هم: الملك فيصل، ثم تلاه الملك خالد، ثم الملك فهد، وها هو الملك عبد الله.. تغير ملوك السعودية أربع مرات، والقذافي باق في مكانه، فلو كان القذافي نصف نبي، لمله الناس بعد أن حكم أكثر من أربعين عاما. الملك فيصل بشرعيته المعروفة ذات التوجه الإسلامي، وشعبيته بعد قطع البترول عن الغرب في حرب 1973، ثم الملك خالد بما عرف عنه من طيبة قلب، ثم الملك فهد الذي قاد أضخم مشروع تحديث في المملكة، ثم الملك عبد الله الذي فتح آفاقا سياسية من خلال الحوار الوطني الداخلي وحوار الأديان على المستوى العالمي، وقبوله الشعبي الذي لا يشكك فيه أحد. كل هذا التجديد في شرعية النظام السعودي، قابله الملل المصاحب لحكم رجل واحد في ليبيا. وأقارن المملكة بليبيا وليس مصر وتونس مؤقتا، لأن ليبيا مثل السعودية دولة نفطية، فبينما استخدم ملوك السعودية النفط لبناء دولة حديثة، حول القذافي ليبيا إلى خرابة، بنفس أموال النفط، لذا قامت الثورة في ليبيا ولم تقم في السعودية.
طول المدة ينهي أي نظام، فالأنظمة تشيخ وتموت مثل البشر، والشرعية مثل الأطعمة لها مدة صلاحية، متى ما انتهت أصبحت سما زعافا. ماتت شرعية مبارك بعد ثلاثين عاما في الحكم. ولم يقبله المصريون بعد ذلك. وأذكر أيام الثورة، كنت أستمع إلى لقاء مع والد أحد شهداء الثورة، الذي قال على الملأ لعمرو أديب laquo;دا النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يحكم المسلمين ثلاثين عاما، هو يطلع مين حسني مبارك ده؟raquo;. انتهت صلاحية شرعية مبارك بهذه العبارات التلغرافية التي خبرها المواطن العادي. شرعية علي عبد الله صالح تجاوزت مدة صلاحيتها، وكذلك شرعية بن علي في تونس. أنظمتهم كانت تعاني من تلك الفجوة الكبيرة ما بين القول والفعل، بين ادعاء الجمهورية وسلوك الملكية. وهذا سبب واحد يكفي لانهيار أي نظام سياسي. أما إذا أضفت إليه الفساد المستشري بضراوة والمعتقلات السياسية والتعذيب، تكون النتيجة منطقية أن يصل الأمر إلى ما وصل إليه في هذه الجمهوريات الديكتاتورية.. ولنا فيما يفعله القذافي بأهله عبرة.
وهنا يبدو واضحا أن الدعوات إلى التظاهر في السعودية لم تكن لها تلك الحاضنة الشعبية التي تؤيدها في المملكة كما كان الحال في مصر وتونس وليبيا واليمن، إذن لا يكفي للثورات أن توجد في العالم الافتراضي، لا بد أن يكون لها وجود في الواقع.
التعليقات