استخدام الخطاب الديني في السياسة


صالح سليمان عبدالعظيم

جاء الاستفتاء على التعديلات الدستورية في مصر، ليعيد مرة أخرى استخدام الخطاب الديني من أجل التأثير على الجماهير إلى الدرجة التي جعلت البعض منهم، وعلى رأسهم مؤيدو الإخوان المسلمين، يربط بين الموافقة على هذه التعديلات ودخول الجنة. بالطبع من يقول العكس فمصيره النار وبئس المصير. يأتي ذلك في الوقت الذي تتصاعد فيه وتيرة الحديث عن الإخوان المسلمين ودورهم في المرحلة القادمة، خصوصا في ضوء المكاسب الهائلة التي قطفوها بعد الثورة المصرية المجيدة.

وينبع الخوف من الجماعة والتيارات المشابهة لها، من سببين؛ أولهما الارتفاع الهائل في مستوى الأمية وضعف التثقيف السياسي الحقيقي في المجتمع المصري، وثانيهما كون المصريون يتسمون بالنزعة الدينية في شكلها الشعبي العفوي البسيط.

وحتى لا يبدو الحديث عن الإخوان حديثا يضفي عليهم هالة من القداسة، سواء في شكلها الإيجابي أو السلبي، فإنني سوف أعرض في ما يلي بعض الجوانب الخاصة بهم كأفراد، من خلال تعاملات الحياة اليومية، وهو أمر قد يختلف في بعض جوانبه عن الفكر الحركي للجماعة ذاتها بدرجة أو بأخرى.

إن أخطر السمات التي يتسم بها أفراد الجماعة، وربما كل جماعة دينية أخرى، هو التصور النقي للذات؛ فكل ما عدانا مخطئ، ونحن فقط على صواب. وينكشف هذا التصور بسهولة، من خلال الممارسات المزدوجة التي يقع فيها البعض منهم. ولعل هذا الانكشاف هو ما يفسر العصبية التي تنتابهم، حين تتم مواجهتهم بما يقومون به من أفعال سلبية تقترب في أحيان كثيرة من الانتهازية واستغلال الآخرين.

ويقود هذا التصور النقي للذات إلى اتهام الآخرين، إضافة إلى سبهم والتطاول عليهم. فطالما يتم تصنيف الذات بوصفها الأفضل والأرقى، يصبح كل ما عداها كما مهملا يسهل اتهامه، وفي بعض الأحيان تصفيته. ويمكن للمشاهد الواعي والمدرك، ملاحظة الطريقة التي يتحدث بها أعضاء الجماعة الآن عبر القنوات الفضائية، عن التيارات الأخرى المخالفة لهم في الأيديولوجيات.

اللافت للنظر هنا هو حالة الصراع التي تنجم بين الفصائل الدينية ذاتها، أو حتى داخل الجماعة الدينية نفسها. فهذا النوع من الصراع يتسم بالقسوة والحدة والتكالب. ولن أنسى ما حييت حدة النقاش الذي تم بين فردين ينتميان لجماعتين دينيتين مختلفتين؛ فقد كنت أظن أنهما بسبب من تقاربهما الأيديولوجي، لا يمكن أن يدخلا في عراك وصراع لفظي، ناهيك عن مستوى التطاول الذي واجه به كل منهما الآخر. ولعل ذلك هو ما يخفف من حدة الهلع من صعود جماعة الإخوان المسلمين في مصر؛ فالجماعات المتشابهة دينيا تتصارع في ما بينها، أكثر بكثير من صراعاتها مع الجماعات الأيديولوجية المخالفة لها في المشارب والتوجهات.

ولا يقيم الأفراد في هذه الحالة علاقة سوية في ما بينهم أو في ما بينهم وبين الآخرين المخالفين لهم، حيث تظل هذه العلاقة محكومة بنظرة فوقية وهرمية في التعامل. وهو أمر يفضي إلى محاولة فرض الرأي على الآخرين، أو في أفضل الأحوال القبول بالنقاش والحوار الشكلي، الذي يضمن لصاحبه في النهاية إملاء سيادته وهيمنته عليهم.

إن هذه الهيمنة التي ترتبط بالأفراد وممارساتهم اليومية، هي التي تؤسس لدكتاتورية الجماعة ذاتها في النهاية، حيث تتلاشي الخطوط بين الفرد والحركة التي ينتمي إليها. وهي مسألة تثير بالتأكيد خوف الكثيرين، خصوصا في مجتمعات يسود فيها الخطاب الديني بدرجة كبيرة، بما يؤدي لفرض تقييمات مسبقة للأفراد ومراقبة ضمائرهم.

من هنا يسهل تماما استخدام الخطاب الديني والتلويح بالجنة والنار، في ممارسة أولية جدا تتعلق بالتصويت على تعديلات دستورية، وسط مجتمع محاصر بالأمية والنزوع الديني الشعبي والأفكار الرجعية المتخلفة. والشيء الذي ربما لا يدركه المنتمون لجماعة الإخوان المسلمين ومن يساندهم محليا وعربيا، هو أن المزايدة على فكر الجماعة ربما لن يأتي من الجماعات المخالفة لهم، بقدر ما سوف يأتي من جماعات سلفية أشد قتامة وصلابة ورجعية، وساعتها يصبح من السهولة واليسر الربط بين الانتماء للجماعة ذاتها وبين دخول النار.

والرأي عندي أنه من الضروري أن تغير الجماعة من أفكار التابعين لها، من منطلق الإيمان بنسبية الأمور والممارسات السياسية، بما يؤدي إلى الإيمان بأن دخول الجنة أو النار أمر محدد بسلوكيات أبعد وأعمق من القول بنعم أو لا، وبدون وصاية أو هيمنة من أحد، أو تفتيش عما تنطوي عليه النفوس والضمائر!